والفاكهة شيئاً كثيراً ، ويقول : والله ما أشبع وإنما أعيى ، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كلّ الملوك. وأمّا في الآخرة فقد اتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الّذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : ( اللّهمّ إنّما أنا بشر فأيّما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفارة وقربة تقرّبه بها عندك يوم القيامة ) فركّب مسلم من الحديث الأوّل وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ، ولم يورد له غير ذلك » (١).
وهذا الحديث الثاني من رواية أبي هريرة نصرة للأمويين ، وإلاّ فالنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن يلعن من لا يستحق اللعن ، وعن أنس : « لم يكن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاحشاً ولا لعّاناً ولا سبّاباً » (٢) ، فلعنه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لطوائف من أمته ثابت لا شك فيه ، إنّما الّذي زعمه الزاعمون من علماء التبرير أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد يلعن من لا يستحق اللعن ، وهذا معناه غلبة البشرية عليه ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ) (٣) حتى صار يتجاوز في سبّه ولعنه وحتى جلده من لا يستحق ذلك بغلبة هوى البشرية ، فأين العصمة الّتي هي من خصائصه؟ وأين المدح الالهي له ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤)؟
وأين قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد نهته قريش كلّ شيء يسمعه من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فذكر ذلك للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأومأ النبيّ باصبعه إلى فيه وقال : ( اكتب فوالّذي نفسي بيده لا يخرج عنه إلاّ حقّ ) (٥).
____________________
(١) البداية والنهاية ٨ / ١١٩.
(٢) الأدب المفرد للبخاري / ١٥٤.
(٣) فصلت / ٦.
(٤) القلم / ٤.
(٥) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر / ٣٦ باب الرخصة من كتاب العلم.