وأغرب من ذلك ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ، وقد ذكر الحديث وفيه الدعاء ثمّ قال : « وفسّره بعض المحبّين قال : لا أشبع الله بطنه حتى لا يكون ممّن يجوع يوم القيامة ، لأنّ الخبر عنه : أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة ». ثمّ قال الذهبي : « قلت : هذا ما صحّ والتأويل ركيك ، وأشبه منه قوله ( عليه السلام ) : ( اللّهمّ من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة ) أو كما قال : وقد كان معاوية معدوداً من الأكلة » (١).
أقول : ولا يعنينا الحديث عن نهم معاوية في الطعام فقد ذكر المؤرخون له شواهد كثيرة ونوادر يطلبها من شاء في مضانها. إنّما الّذي يعنينا في المقام نهم أصحاب الكلام في الدفاع عن معاوية ، الّذي قدمنا ما يكفي بتبصرة القارئ بحقيقته نقلاً عن أعلام لا يتهمون في أمره. ولكن الأهواء الشامية والنصب المبطّن حمل المعذّرين من علماء التبرير على الخوض في المستنقع العفن مع معاوية ولو على حساب كرامة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ولو كانت لديهم مسكة من دين لكانوا مثل الحافظ النسائي ( رحمه الله ) ، فقد دخل بلاد الشام فرأى النُصب بها فكتب خصائص الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحدّث به ، فسئل عن معاوية وما روي في فضائله فقال : أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضّل ، ما أعرف له فضيلة إلاّ ( لا أشبع الله بطنه ) ... فما زالوا يدفعون في حضنيه ( خصييه ) وداسوه حتى أخرجوه من المسجد! قال أبو نعيم : لمّا داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول (٢).
____________________
(١) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٢٨٧ ط دار الفكر.
(٢) راجع في ذلك ترجمة النسائي في مصادرها تجد القصة مذكورة ومنها تاريخ ابن خلكان ١ / ٧٧ تح ـ إحسان عباس.