ولم يكن ابن عباس متجنياً على ابن الزبير في قوله فيه ، بل قد روى ابن سعد أيضاً بسنده عن ابن جريج قال : « كان المسور بن مخرمة بمكة حين جاء نعي الحسين بن عليّ ، فلقي ابن الزبير ، فقال له : جاءك ما كنت تمنّى موت حسين ابن عليّ ، فقال ابن الزبير : يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالجمّاء حجر ، والله ما تمنيت ذلك له. قال المسور : أنت أشرت عليه بالخروج إلى غير وجه. قال : نعم أشرت به عليه ولم أدر أنّه يقتل ، ولم يكن بيدي أجله ، ولقد جئت ابن عباس فعزّيته ، فعرفت أنّ ذلك يثقل عليه مني ، ولو أنّي تركت تعزيته قال : مثلي يترك لا يعزيني بحسين فما أصنع؟ أخوالي وغرة (١) الصدور عليّ ، وما أدري على أي شيء ذلك؟ فقال المسور : ما حاجتك إلى ذكر ما مضى ونثه (٢) دع الأمور تمضي وبرّ أخوالك ، فأبوك أحمد عندهم منك » (٣).
ولم يكن ابن عباس يخفي كراهيته لابن الزبير لشماتته بموت الحسين ( عليه السلام ) على حد قوله ، كما قال ذلك لابن صفوان الجمحي.
فقد روى ابن سعد في خبره : « أنّ ابن صفوان كان عند ابن عباس وعنده محمّد بن الحنفية لمّا كان الناس يعزونهم بالحسين ( عليه السلام ) فقال ابن صفوان : إنّا لله وإنّا إليه راجعون أي مصيبة ، رحم الله أبا عبد الله وآجركم الله في مصيبتكم.
فقال ابن عباس : يا أبا القاسم ـ يخاطب محمّد بن الحنفية ـ ما هو إلاّ أن خرج من مكة فكنت أتوقع ما أصابه.
قال ابن الحنفية : وأنا والله ، فعند الله نحتسبه ونسأله الأجر وحسن الخلف.
____________________
(١) أي ممتلئة غيظاً وحنقاً ( لسان العرب : وغر ).
(٢) نثّ الحديث نشر ما كان كتمه أحق من نشره ( اللسان : نثث ).
(٣) طبقات ابن سعد في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) / ٤٩٤ ، وكذا في تاريخ ابن عساكر / ٢٦٥ ترجمة الحسين تح ـ المحمودي.