حياة ضنك وضيق ، مليئة بالتحديات والاعتداءات ، وأشدها المعاناة النفسية ممّا كان يحسّه من شماتة ابن الزبير فقد كابد أذاه وقد خلا له الجوّ ، كما كان يتوقعه من قبل حين مرّ به يوم خرج الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق ، فمرّ به وضربه على كتفه وتمثل برجز طرفة بن العبد :
يا لك من قنبرة بمعمر |
|
خلالك الجو فبيضي واصفري |
ونـقـرّي مـا شـئـت أن تـنـقـري
ثمّ أردفه بقوله : هذا حسين خارج فاستبشري.
وقد صدقت نبوءته حين نصب ابن الزبير نفسه ، ودعا الناس إلى مبايعته ، بعد أن كان يختدع الناس ويخادعهم بأنّه زاهد في الحياة الدنيا ، مردداً اكذوبته بقوله : « إنّما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا ، وأنا العائذ بالبيت ، والمستجير بالربّ » (١) فسمّي العائذ والمستجير.
ولكنه لمّا بدت بوادر انهيار الحكم الأموي بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، وأكثر الناس في ثلب الأمويين وذكر معائبهم ، استغل ابن الزبير ذلك الظرف ، ورآه مواتياً فأنغض برأسه متطلباً الحكم. فاستجاب له كثيرون لا رغبة فيه بل مقتاً لبني أمية ، حتى الخوارج تصافوا معه على بني أمية برهة من الزمان ، لكنهم فارقوه حين ظهرت منه حسيكة النفاق وسمل منه جلباب الدين ، وظهر حبّه للدنيا وتهالكه في سبيلها. فمقتوه وفارقوه بعد ما ناصروه في حربه مع جيش الأمويين بمكة المكرمة ، مستحلين جميعاً حرمة البلد الحرام.
وبدت بوادر الاشمئزاز منه تتنامى وتظهر ، والناس يسمعون من رجالات بعض الصحابة عن ذم المستحل للبيت الحرام أحاديث مرفوعة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ويرون منهم مواقف شائنة وشانئة لابن الزبير.
____________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ٢٠ / ١٤٥ ط محققة.