د ـ روى أبو الفرج قال : « كانت صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فمشى ابن الزبير إليها ، فذكر لها أنّ خروجه كان غضباً لله ( عزّ وجلّ ) ولرسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وللمهاجرين والأنصار من إثرة معاوية وابنه بالفيء ، وسألها مسألة زوجها عبد الله ابن عمر أن يبايعه ، فلمّا قدّمت له عشاءه ذكرت له امر ابن الزبير وعبادته واجتهاده وأثنت عليه وقالت : انّه ليدعو إلى طاعة الله ( عزّ وجلّ ) وأكثرت القول في ذلك.
فقال لها : ويحك! أما رأيت البغلات الشهب (١) الّتي كان يحجّ معاوية عليها وتقدم إلينا من الشام؟ قالت : بلى قال : والله ما يريد ابن الزبير بعبادته غيرهن » (٢).
____________________
(١) لقد روى ابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ / ٤٢٠ بتحـ أحمد أمين وأحمد الزين وابراهيم الأبياري ، عن هشام بن عروة قال قال عبد الله بن عباس للجائز به جنبني خشبة ابن الزبير فلم يشعر ليلة حتى عثر فيها فقال : ما هذا؟ فقال خشبة ابن الزبير ، فوقف ودعا له ، وقال : لئن علّتك رجلاك لطالما وقفت عليها في صلاتك. ثمّ قال لأصحابه : أما والله ما عرفته إلاّ صوّاماً قوّاماً ، ولكنني ما زلت أخاف عليه منذ رأيته ( أن ) تعجبه بغلات معاوية الشهب ، قال : وكان معاوية قد حج فدخل المدينة وخلفه خمس عشرة بغلة شهباء عليها رحائل الأرجوان ، فيها الجواري عليهن الجلابيب والمعصفرات ، ففتن الناس.
أقول : لقد نبّه المحققون في الهامش رقم / ١ إلى اختلاف الأصول في كلمة للجائز به أو ( للجائزة ) وكأن الواجب عليهم هذا فحسب ، فهذا منهم أمر حسن ، ولكن كان الواجب عليهم والأحسن ، أن يتنبّهوا إلى كذب الخبر فينبّهوا عليه ، لأن وفاة ابن عباس قبل مقتل ابن الزبير بأربع سنين أو بخمس فقد مات سنة / ٦٨ بالطائف وقد أخرجه ابن الزبير إليه كما سيأتي تفصيل ذلك ، ومقتل ابن الزبير كان سنة / ٧٢ ـ ٧٣ فكيف يصح الخَبر؟ وأحسبه على نحو خبر ابن أبي مليكة الآتي ، فيه تزيد كثير لا يخفي على الناقد البصير ، والّذي أراه صحيحاً من خبر هشام بن عروة هو تعريض ابن عباس بابن الزبير وما كان يريده بقيادته هو البغلات الشهب ، على نحو ما قاله ابن عمر. ولا يفوتني التنبيه على أن المحقق محمّد سعيد العريان حقق أيضاً العقد الفريد في طبعة أخرى ولم يتنبّه هو الآخر لينبّه على كذب الخبر.
(٢) الأغاني ١ / ٢٢ ـ٢٣ ط دار الكتب.