فقام إليه محمّد بن سعد بن أبي وقاص فقال : وفّقك الله يا أمير المؤمنين أنا أوّل من أعانك في أمرهم. فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي فقال : والله ما قلت صواباً ، ولا هممت برشد ، أرهط رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تعيب! وإياهم تقتل! والعرب من حولك ، والله لو قتلت عِدّتهم أهل البيت من الترك مسلمين ما سوّغه الله لك ، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.
فقال : أجلس أبا صفوان فلست بناموس (١) » (٢).
هذا بعضٌ من مواقفه الّتي أصحر فيها بعداوته من على المنبر في المسجد الحرام. ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ الّذي بادر فأعلن مناصرته هو أخ عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، فلا غرابة بالخبث إذا خرج من معدنه ، ولم ينكر عليه في ذلك الموقف العدائي سوى عبد الله بن صفوان الجمحي ، وهذا الرجل فيما يقول الذهبي : « وكان سيّد أهل مكة في زمانه لحلمه وسخائه وعقله » (٣). غير أنّ ابن الزبير وصفه بما لا يليق به فقال له : « فلست بناموس » أي لست الحاذق المطلّع على بواطن الأمور ولا صاحب السرّ ، ومع هذه الإهانة ، فقد بقي معه حتى قتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، وقد حملوا رأسه مع رأس ابن الزبير ورأس عبد الله بن مطيع إلى المدينة المنورة (٤) وسيأتي له حديث آخر مع ابن الزبير ممّا يتعلق بابني العباس عبد الله حبر الأمة وأخيه عبيد الله حين رأى الناس عكوفاً عليهما هذا للفقه وهذا لبذل الطعام ، فأساء القول كلّ منهما في الآخر مع أنّه من أصحابه حتى انّه قتل معه ، لكن الرجل لم يمنعه ذلك من قول كلمة حقّ
____________________
(١) الناموس : الحاذق وصاحب السرّ المطلع على باطن الامور.
(٢) شرح النهج ٤ / ٤٨٩ ط الأولى بمصر و ٢ / ١٢٧ تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.
(٣) سير أعلام النبلاء للذهبي ٥ / ١٦٧ ط دار الفكر.
(٤) نفس المصدر.