يكاشرهما ومرة يلين لهما ، ومرة يباديهما ، ثمّ غلظ عليهما ، فوقع بينهم كلام وشرّ ، فلم يزل الأمر يغلظ حتى خافا منه خوفاً شديداً ، ومعهما النساء والذرية ، فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم ، وقصد لمحمد بن الحنفية فأظهر شتمه وعيّبه ، وأمره وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة ، وجعل عليهم الرقباء ، وقال لهم فيما يقول : لتبايعُنّ أو لأحرقنّكم بالنار ، فخافوا على أنفسهم » (١).
وروى ذلك أيضاً وفيه : « حتى إذا كانت سنة ست وستين غلظ عليهما ودعاهما إلى البيعة فأبيا » (٢). وسيأتي خبر عطية بأوسع ممّا ذكرنا في حبس ابن الزبير لبني هاشم.
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي : « قطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جُمعاً كثيرة ، فاستعظم الناس ذلك فقال : إنّي لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم ، فأنا أحبّ أن أكبتهم.
وقال : لمّا كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم وأظهر بُغضهم وعابهم ، وهمّ بما همّ به في أمرهم ، ولم يذكر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في خطبته ، لا يوم جمعة ولا غيرها ، عاتبه على ذلك قوم من خاصته ، وتشاءموا بذلك منه ، وخافوا عاقبته ، فقال : والله ما تركت ذلك علانية إلاّ وأنا أقوله سرّاً وأكثر منه ، لكنّي رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبّوا واحمرّت ألوانهم ، وطالت رقابهم ، والله ما كنتُ لآتي لهم سُروراً وأنا أقدر عليه ، والله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة ثمّ أضرمها عليهم ناراً ، فإنّي لا أقتل منهم إلاّ آثماً كفّاراً سحّاراً ، لا أنماهم الله ولا بارك عليهم ، بيت سوء لا أوّل لهم ولا آخر. والله ما ترك نبيّ الله فيهم خيراً ، استفرع نبيّ الله صدقهم فهم أكذب الناس.
____________________
(١) الطبقات ٥ / ٧٣ ـ٧٤ ط أفست ليدن.
(٢) نفس المصدر / ١٨٤ تح ـ السُلمي ط الطائف.