نعم لأنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول : ليس بمؤمن من بات شبعانَ وجاره طاو ، فقال له ابن الزبير : قلت ذاك وأتبعه بقول يدل على حسد كان ابن عباس من شره معصوماً ، وكان ذاك بما في قلبه لبني هاشم مهزوماً ، وكانت وخزة ثقيلة فلم يبدها له وفروع بني هاشم حول الحرم باسقة ، وعروق دوحاتهم بين أطباقها راسية ، ومجالس بني هاشم من أعاليها غامرة ( عامرة ظ ) ، وبحورها بأرزاق العباد زاخرة ، وأنجمها بالهدى زاهرة ، فلمّا تجلت ( تخلت ظ ) البطحاء من صناديدها استقبله بما أكمن في نفسه ، والحاسد لا يغفل عن فرصته ، إلى أن يأتي الموت على رمّته ، وما استقبل ابنَ عباس بذلك إلاّ لمّا رأى عمر قدّمه على أهل القِدم ، ونظر إليه وقد أطاف به الحرم ، فأوسعهم حكما ، وتعقبوا منه رأياً وفهماً ، وأشبعهم علماً ولحماً.
ويروي عن ابن سيرين انّه قال : ما رأيت أكثر علماً ولحماً من منزل ابن عباس » (١).
ويؤيد ما قاله الجاحظ ما قاله صاحب مشكاة الأدب : « إنّ ابن عباس أوّل من وضع موائد الطعام في الطرقات للناس ، ولم يكن يعود إلى رفعه. وانّه كان ما يصرفه في اليوم خمسمائة دينار ، وهذا ما ذكره الوطواط في غرر الخصائص أيضاً » (٢).
وفي محاضرات الراغب : « كان يسمى معلّم الجود لسخائه ، وحثّه على ذلك قولاً وفعلاً » (٣).
____________________
(١) أنظر مجموعة رسائل الجاحظ ٧ ـ ٨ ط نشر الساسي بمصر بمطبعة التقدم.
(٢) مشكاة الأدب / ٩١٥.
(٣) محاضرات الراغب ١ / ٢٧٨.