فهذه الأقوال مهما شككنا في صحتها فإنّها لم تنشأ من فراغ ، بل فيما سيأتي من الشواهد على بواعث حسد ابن الزبير ما يدل على صحتها ، وحسبنا منها أن نقرأ الأوّل والثاني والثالث منها. وفيها وفي غيرها ما يؤجج نيران الحسد والحقد في نفس ابن الزبير البخيل ويسرّ بغضهم ، وهو يقرَ بذلك معترفاً على نفسه.
قال ابن عبد ربه : « ولمّا توطد لابن الزبير أمرُه وملك الحرمين والعراقين ، أظهر بَعض بني هاشم الطعن عليه ، وذلك بعد موت الحسن والحسين ، فدعا عبد الله بن عباس ومحمّد بن الحنفية وجماعة من بني هاشم إلى بيعته ، فأبوا عليه ، فجعل يشتمهم ويتناولهم على المنبر ، وأسقط ذكر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من خطبته ، فعوتب على ذلك فقال : والله ما يمنعني أنّي لا أذكره علانية من ذكره سراً وأصلي عليه ، ولكن رأيت هذا الحيّ من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبت أعناقهم ، وأبغض الأشياء إليّ ما يسرّهم » (١).
ألا ترون من حقّ ابن عباس أن يثأر لنفسه ولقومه فيجابهه راداً عليه افتراءه ، بما يزيد حنقه وبغضاءه. لذلك كان يتمثل بأبيات عنترة بن الأخرس المعنيّ من طيء :
أطل حمل الشناءة لي وبغضي |
|
بجهدك وانظرن من ذا تضير |
فما بيديك خير أرتجيه |
|
وغير صدودك الخطب الكبير |
إذا أبصرتني أعرضت عني |
|
كأنّ الشمس من قبلي تدور (٢) |
____________________
(١) العقد الفريد ٤ / ٤١٣ تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.
(٢) الأبيات من أربعة في شرح حماسة أبي تمام للتبريزي ١ / ٢١٩ مطبعة حجازي بالقاهرة تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد ، ومن خمسة أبيات في المؤتلف والمختلف للآمدي / ٢٢٥ بتحقيق عبد الستار أحمد فراج.