وقد تحاشى كثير من المحدّثين والمؤرخين ذكر كلمة ابن الزبير « إنّي لأكتم بغضكم منذ أربعين سنة »!! ومن الطبيعي أن لا يذكروها لأنّها تكشف عن سوء طويّة أنفوا منها ، وأحسبهم على أحسن تقدير أنّهم استفظعوا وقع الكلمة ، فاستعظموا ذكرها لفظاعتها ، فألقوها في سلة المهملات في غيابة الجبّ ، ولا ضير ما دام الجاحظ قد نمّ بها على استحياء ، وذكرها المسعودي بدون خفاء ، ونقلها أيضاً ابن أبي الحديد في شرح النهج ، والسيّد عليّ خان المدني الشيرازي في الدرجات الرفيعة وغيرهما ، وأخال هؤلاء نقلوها عن المسعودي الّذي هو أيضاً تكتّم على ما جرى بين ابن عباس وابن الزبير من خطب طويل. ولكنه لم يسعه كتمان تلك الكلمة الّتي كبرت أن تخرج من أفواههم ، والّتي هي حالقة الإيمان.
فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال في خطبة له رواها جابر بن عبد الله : « ( أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً ) ، قال جابر : فقلت : يا رسول الله وإن صام وصلّى؟ قال : ( وإن صام وصلّى وزعم انّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه ، وأن يؤدّى الجزية عن يد وهم صاغرون ... ) » (١).
وفي حديث ثان رواه ابن عباس قال : « قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( ... فلو أنّ رجلاً صفن ـ أي وقف ـ بين الركن والمقام وصلّى وصام ثمّ مات وهو مبغض لآل بيت محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دخل النار ) » (٢).
____________________
(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢ عن الطبراني في الأوسط.
(٢) نفس المصدر ٩ / ١٧١ ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم ٢ / ٦٤٢ برقم ١٥٤٦ ط المكتب الإسلامي تح ـ الألباني وفيه تصحيف كلمة ( يبغض ) بـ ( ينقص ) ، والحاكم في المستدرك / ١٤٩ وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.