في نفس ابن الزبير لأهل البيت أقرّ به على نفسه. وعرفنا منها أيضاً شدة وصرامة ابن عباس في قولة الحقّ ودحر الباطل.
كما قرأنا مقالة الجاحظ وهو على عثمانيته لم يستسغ في المقام الإغضاء عن ابن الزبير وكلمته ، ولكنه قصّر في صراحته إلاّ أنّه لم يتخلّ عن أدبه الجاحظي حين كنّى ، والكناية أبلغ من التصريح ، فأشار بابن عم الكلام عمّا يقتضيه المقام ، فنمّ على كلمة ابن الزبير النابية « إنّي لأكتم بغضكم » على استحياء ، بعكس المسعودي الّذي ذكرها بدون خشية أو خفاء. وقد وردت الكلمة عند أصحاب مصادر متأخرين عن الجاحظ والمسعودي ، وكلّهم أدوا أمانة النقل فلا تثريب عليهم. لكن هلمّ الخطب فيمن تولوا كبر حذفها وهم على أحسن تقدير استفظعوها فاستعظموا ذكرها لفظاعتها فألقوها في سلة المهملات وفي غيابة الجبّ ، ولكني لم أدر لماذا تخاذلوا عن ذكر كلمة ابن الزبير الأخرى الّتي واجه بها ابن عباس حين دخل عليه فقال له : « أنت الّذي تؤنّبني وتبخّلي »؟! وما بالهم سرت عدوى دائهم إلى خبر آخر صنو ما سبق؟ رواه عبد الله بن مساور قال : « سمعت ابن عباس ( وهو يبخّل ابن الزبير ) » فحذف الجملة ( بعضهم ) وصحّفها آخرون تصحيفاً سخيفاً؟ فلا بد إذن من وقفة تحقيق دقيق تحذيراً للقارئ من مغبّة الاغترار ببهرجة ألقاب المحدثين الّذين جعلوا الحديث عضين ، آمنوا ببعض وكفروا ببعض ـ كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) (١).
وبين يدي ذلك عرضاً بأصحاب المصادر الّتي روت كلمة عبد الله بن المساور أو ما في معناها :
____________________
(١) الحجر / ٩١.