وفي كنز العمال ذكر اللعن المبهم نقلاً عن ابن جرير ، وهذا رواه ابن جرير أيضاً كما روى أيضاً عن ابن عباس قال : « لعن الله فلاناً انّه كان ينهى عن التلبية في هذا ـ يعني يوم عرفة ـ لأنّ عليّاً كان يلبّي فيه » (١).
ويبدو غلب على علماء الدولة التعتيم الإعلامي فلم يصرّحوا باسم معاوية ، وكنّوا عنه فقالوا : ( فلانا )! ولكن النسائي في السنن (٢) وكذا في صحيح ابن خزيمة (٣) والسنن الكبرى للبيهقي (٤) صرّحوا باسمه.
وإليك الحديث بلفظ البيهقي : « عن سعيد بن جبير قال : كنا عند ابن عباس بعرفة ، فقال : يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت : يخافون معاوية فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللّهمّ لبيك وان رغم أنف معاوية اللّهمّ ألعنهم فقد تركوا السنة من بغض عليّ ( عليه السلام ) ».
وموقف ابن عباس في هذا المقام يشبه موقف ابن عمه الإمام حين أعلن بعمرة وحجة في تلبيته بعسفان أيام عثمان ، حين كان ينهى عن العمرة في أشهر الحج ، وقد مرّ الحديث عنه في أيام عثمان.
وهكذا توالت ضرباته على رؤوس الأمويين عن طريق الرواية والقول والعمل ، ولا شك أنّ ذلك كان يبلغ معاوية عن طريق ولاته في الحرمين ، ولا شك أنّ ذلك كان يغيظه ، وما يدرينا لعله فكّر في الحج سنة ٤٤ للحدّ من نشاط ابن عباس ، وإذا لم يكن ذلك هو الغاية فلا شك انّه باعث قويّ.
____________________
(١) كنز العمال ٥ / ٧٩ ط الثانية ( حيدر آباد ).
(٢) سنن النسائي ( كتاب الحجّ ، التلبية بعرفة ) ٢ / ٤١٩ رقم ٣٩٩٣.
(٣) صحيح ابن خزيمة ٤ / ٢٦٠ برقم ٢٨٣٠.
(٤) السنن الكبرى ٥ / ١١٣.