وربّما حضر غير من ذكرنا عند معاوية كسعيد بن العاص ولم يذكر أنّه دسّ أنفه في الحديث. فإن معرفة تاريخ تلك المحاورات هو تسليط الضوء على مدى تشنج العلاقات بين الطرفين مداً وجزراً ، كما يستعين الباحث على معرفة نفسيات المتحاورَين ، وهذا ما ينبغي ملاحظته بدقة ، ولا ينبغي تجاوزه ، لأنّا من خلال تلك المحاورات يمكننا تقييم المتحاورَين زماناً ومكاناً وقدرات وتكافؤا.
فابن عباس يعلم في نفسه أنّه واقع تحت طائلة التهديد ، وعرضة للإنتقام لأنّه لم يجر بينه وبين معاوية صلح ، وإنّما هو تبع لإمامه الحسن ( عليه السلام ) في إمضاء الصلح. وقد مرّ بنا تهديد معاوية له بذلك يوم كان في البصرة وقد جاء في بعض كتابه إليه : « وما جرى بيني وبينك صلحٌ فيمنعك مني ولا بيدك أمان ».
كما أنّ ابن عباس كبقية بني هاشم الّذين عصبهم معاوية بدم عثمان ، وقد صارحه بذلك في كتابه المشار إليه آنفاً.
كلّ ذلك لم يكن ليغيب عن ذاكرة ابن عباس ، وهو كفيل بزرع الخوف في نفسه لو يجد الخوف إلى نفسه سبيلا.
كما لم يغب عن معاوية انّه سيلتقي إنساناً من بني هاشم يتمتع برصيد عال من العلم والمعرفة بالسياسة فلا يُخدع ولا يَضرع ، وله من عزة الهاشميين ما يشمخ بأنفه على معاوية ، وعنده اعتداد لا يضارعه اعتداد معاوية بالملك.
وتتحدّث الأخبار عن عدة لقاءات ربما بلغت العشرين أو تزيد ، لكنها لم تتحدث عن تاريخها زماناً ولا مواقعها مكاناً.
وبحسب اطلاعي على تلك المحاورات ، وجدت بينها ما يساوي ربعها يمكن تحديد زمانه ومكانه من خلال نصوص المحاورات ، أمّا الباقي فلا أستطيع البتّ بتحديد الزمان والمكان ، لكنها في أغلب الظن إنّها كانت في الشام أيام