وصلوني من قريب ) » ، ثمّ ذكر القربى النسبية المنافية نسبتهم إلى عبد مناف ، ثمّ قال : « وهذا شكر من ابن عباس لبني أمية وعتب على ابن الزبير » (١).
وهكذا بقي بقية شراح البخاري في دوّامة لتوجيه ما رواه لهم البخاري بأسانيده عن ابن أبي مليكة ، وكأنّهم جميعاً جبنوا أو لم يمر ببالهم أن يقولوا ولو لمرة واحدة كلمة حقّ واحدة ، فإما أن يدينوا ابن عباس لأنّه لم يبايع لابن الزبير مع ما رواه عنه ابن أبي مليكة من دعوته الناس إلى مبايعة ابن الزبير ، أو يدينوا ابن أبي مليكة لأنّه روى لهم ما هو كذب ومتناقض ، ولكنهم أنّى لهم التناوش لا من قريب ولا من بعيد ، بل أحسبهم جميعاً على خلاف أهل الكهف رقود وهم أيقاظ ، ولكنهم إنما أعرضوا رعاية لمقام الصحبة ، وحفاظاً على مقامات الصحابة سواء المصلح منهم والمفسد وبالتالي حفاظاً على كتاب البخاري الّذي هو عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله؟ ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
فبعد هذا كلّه كيف نصدق ابن أبي مليكة على ابن عباس الّذي لم يكن يرى لابن الزبير أيّ أهلية للحكم بل لا يرى له فضلاً ، ثمّ هو يقسم أنّه سيحاسب له نفسه كما حاسبها لأبي بكر وعمرو (؟) إن هذا إلاّ اختلاق ، وقد مرّ بنا بعض حديث عطية العوفي في مواقف ابن الزبير العدائية ، وسيأتي بتمامه ، وهو يدفع صدق خبر ابن أبي مليكة ، مضافاً إلى ذلك ما رواه ابن سعد في الطبقات (٢) عن سُليم أبي عامر قال : فرأيت محمّد بن الحنفية محبوساً في زمزم والناس يمنعون من الدخول عليه ، فقلت والله لأدخلنّ عليه فدخلت فقلت : ما بالك وهذا الرجل؟ فقال : دعاني إلى البيعة فقلت : إنّما أنا من المسلمين فإذا اجتمعوا عليك فانا
____________________
(١) إرشاد الساري ٧ / ١٥٠.
(٢) الطبقات الكبرى ( ترجمة محمّد بن الحنفية ) ٥ / ٧٤ ط ليدن.