الخلافة ، وأنها بالنص ، وليست بالمؤهلات الواهية الّتي ساقها ابن أبي مليكة. وذلك معلوم وثابت عنه منذ عهد عمر ، وقد مرّت بنا في الجزء الثاني بعض المحاورات بينه وبين عمر حول الخلافة ، حيث كان ابن عباس يرى النص وعمر يرى الاختيار فراجع. واذا أردنا أن لا نجشّم القارئ معاناة الرجوع إلى الجزء الثاني ، فسنختصر له الطريق ونبقى في المقام ، ونطلب منه إعادة قراءة صدر الخبر الثاني من اخبار ابن أبي مليكة ، وهو الثالث من أخبار البخاري ، فسيجد ابن عباس بصف ابن الزبير وبني أمية من المحلّين لحرمة البيت الحرام ، فكيف يكون قارئ القرآن محلاً لحرمة البيت الحرام أو ليس ذلك من التناقض الّذي لا يخفى على أحد؟
ثمّ ما بال ابن أبي مليكة لم يُحسن كذبته في حبكته حتى افتضح بحبقته ، حين ذكر بزعمه وصف ابن عباس لابن الزبير بقوله : « عفيف في الإسلام قارئ للقرآن » ، ثمّ أردف بلا فصل قوله : « والله إن وصلوني وصلوني من قرب ». مَن هم هؤلاء الّذين عناهم ابن عباس؟ والقارئ لا يجد الربط بين الوصف وما بعده ، إذ لم يتقدم ذكرهم ليصح إرجاع الضمائر إليهم.
وهذا ما أربك شراح الصحيح ، فذهبت بهم المذاهب مشرّقين ومغربين فقال ابن حجر في فتح الباري : « وظاهر هذا أنّ مراد ابن عباس بالمذكورين بنو أسد رهط ابن الزبير ، وكلام أبي مخنف الإخباري يدل على أنّه أراد بني أمية ... فالأوّل مجرّد احتمال ، والثاني من دون استدلال » (١).
أمّا القسطلاني فهو أنبه في المقام حيث قال بعد قوله : قارئ القرآن : « زاد ابن أبي خيثمة في تاريخه هنا : وتركت بني عمي بني أمية ( والله إن وصلوني
____________________
(١) فتح الباري ٨ / ٢٤٧ ط دار المعرفة بيروت.