فقال ابن الزبير : واعجباً لهذه الخشبية ينعون الحسين كأني أنا قتلته ، والله لو قدرت على قتلته لقتلتهم ـ وإنّما قيل لهم خشبية لأنّهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم ، وقيل : لأنّهم أخذوا الحطب الّذي أعدّه ابن الزبير ـ.
وقال ابن الزبير : أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعون؟ فقال الجدلي : أي ورب الركن والمقام لتخلّين سبيله أو لنجادلنّك بأسيافنا جدالاً لا يرتاب منه المبطلون ، فكف ابن الحنفية أصحابَه وحذّرهم الفتنة ، ثمّ قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجد الحرام ، فكبّروا وقالوا يا لثارات الحسين ، فخافهم ابن الزبير ، وخرج محمّد بن الحنفية ومن معه إلى شعب عليّ وهم يسبّون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه ، فأبى عليهم ، فاجتمع مع محمّد في الشعب أربعة آلاف رجل فقسّم بينهم المال وعَزّوا وامتنعوا ، فلمّا قتل المختار تضعضعوا واحتاجوا ، ثمّ إن البلاد استوثقت لابن الزبير بعد قتل المختار ، فأرسل إلى ابن الحنفية أدخل في بيعتي وإلاّ نابذتك ، وكان رسوله عروة بن الزبير ، فقال ابن الحنفية : بؤساً لأخيك ما ألجّه فيما أسخط الله ، وأغفله عن ذات الله ، وقال لأصحابه : إنّ ابن الزبير يريد أن يثور بنا ، وقد أذنت لمن أحب الإنصراف عنا فإنّه لا ذمام عليه منا ولا لوم ، فإنّي مقيم حتى يفتح الله بيني وبين ابن الزبير وهو خير الفاتحين.
فقام إليه أبو عبد الله الجدلي وغيره فأعلموه أنّهم غير مفارقيه ، وبلغ خبره عبد الملك بن مروان فكتب إليه يعلمه انّه إن قدم عليه أحسن إليه ، وإنّه ينزل إلى الشام إن أراد حتى يستقيم أمر الناس ، فخرج ابن الحنفية وأصحابه إلى الشام ، وخرج معه كثيّر عزة وهو يقول شعراً :