وإنّي أقسم بالله لئن لم تنته عمّا بلغني عنك لتجدنّ جانبي خَشِناً ، ولتجدنني إلى ما يردعك عني عجلا ، فرأيك ، فإن أشفى بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلاّ نفسك ». فهذا كتاب فيه تنديد وفيه تهديد ووعيد.
فأجابه ابن عباس : « أمّا بعد فقد بلغني كتابك قلت إنّي أفتي الناس بالجهل ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يعرف من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله من العلم ما لم يؤتك ، وذكرت أنّ حلمك عني واستدامتك فيئي جرأني عليك ، ثمّ قلت اكفف من غربك ، واربع على ظلعك ، وضربت لي الأمثال ، أحاديث الضبع ، متى رأيتني لعرامك هائبا ، ومن حدك ناكلاً ، وقلت : لئن لم تكفف لتجدنّ جانبي خشناً ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت ، فوالله لا أنتهي عن قول الحقّ ، وصفة أهل العدل والفضل ، وذم الأخسرين أعمالاً الّذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً والسلام » (١).
وهذا جواب فيه تقريع وزراية ، وفيه إهانة واستهانة نافت على الغاية. وأيّ غايةٌ بعد قوله : « فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت »؟ ولعل ابن عباس إنّما أجابه على كتابه لأنّه كان يقول : « إنّي لأرى ردّ جواب الكتاب حقاً عليَّ كردّ السلام » (٢) ولئلا يظن به الجبن والانهزامية أمام تهديد ووعيد ابن الزبير ، وهو هو لا يزال في صلابة موقفه المتماسك ، وقوة شخصيته المتعالية.
روى البلاذري في أنسابه خبر ذلك بسنده عن أبي مخنف قال : « لمّا نزل ابن عباس الطائف حين نافره ابن الزبير ، كان صلحاء الطائف يجتمعون إليه ،
____________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٢٥.
(٢) الطبقات الكبري لابن سعد / ١٦٦ تح ـ السُلمي.