ولابدّ لنا من وقفة عند هذه المحاورة لتحقيق زمانها ومكانها ، ثمّ ملاحظة تفاوت الرواة النقلة في روايتها وقبل ذلك التنبيه على أمرين :
أوّلاً : طلب معاوية من ابن عباس ، أن يُسأل عن تأويل القرآن ممّن يتأوله على خلاف ما يتأوله ابن عباس وأهل بيته ، وهذا يعني وجود أناس هيأهم معاوية أو كانوا مهيئين من قبل للقيام بتأويل القرآن على خلاف ما يتأوله أهل البيت وابن عباس ، فمن أين لأولئك العلم بالتأويل وهم ليسوا من أهله وممّن نزل عليهم أو في بيوتهم القرآن؟ ولماذا صاروا المرجع الرسمي الّذي يدعو معاوية بالرجوع إليه؟ وهل في القرآن من ألغاز وطلاسم يحتاج في حلّها إلى مرجع رسمي ينصبه الحاكمون؟ أو ليس الله سبحانه يقول في كتابه : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) (١) ، وقال : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (٢).
إذن ليس المطلوب منا إلاّ التدبّر في معرفة معاني القرآن كما يلزمنا معرفة قراءته تلاوة صحيحة ، وهذا ما كان يقوله ابن عباس : « لئن أقرأ البقرة وآل عمران فأتدبرهما خير من أن أقرأ القرآن كلّه هذرمة » ، وكان يرى في قوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٣) انّه من الراسخين في العلم العالمين بتأويل القرآن.
إذن فمعاوية في طلبه يريد فصل الناس عن أهل البيت وتأويلهم وتفسير ما نزل فيهم ، والأخذ عمن يقول في ذلك بالرأي والهوى ، وبذلك يكون معاوية قد
____________________
(١) القمر / ٣٢.
(٢) محمّد / ٢٤.
(٣) آل عمران / ٧.