عبد الله بن عباس يقول لابنه عليّ بن عبد الله : ليكن كنزك الّذي تدّخره العلم ، كن به أشد اغتباطاً منك بكنز الذهب الأحمر ، فإنّي مودعك كلاماً إن أنت وعيته اجتمع لك به خير أمر الدنيا والآخرة :
لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخر التوبة لطول الأمل ، ويقول في الدنيا قول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أعطي منها لم يشبع ، وإن منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ويأمر بما لا يأتي ، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض الجاهلين ـ الفجار ـ وهو أحدهم ، ويقول لِمَ أعمل فأتعنّى ، ولا أجلس فأتمنّى ، فهو يتمنى الغفرة وقد دئب في المعصية ، قد عمّر ما يتذكر فيه من تذكّر ، يقول فيما ذهب لو كنت عملت ونصبت كان ذخراً لي ، ويعصي ربّه ـ تعالى ـ عزّ اسمه فيما بقي ، غير مكترث ، إن سقم ندم على العمل ، وإن صحّ أمن واغترّ وأخّر العمل ، معجبٌ بنفسه ما عوفي ، وقانط إذا بشيء ابتُلي ، إن رغب أَشِر ، وإن بسط له هلك ، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن ، لا يثق من الرزق بما قد ضُمِن له ، ولا يقنع بما قُسِم له ، لم يرغب قبل أن ينصب ، ولا ينصب فيما يرغب ، إن استغنى بَطِر ، وان افتقر قنط ، فهو يبتغي الزيادة وان لم يشبع ، ويضيّع من نفسه ما هو أكره ، يكره الموت لإساءته ، ولا يدع الإساءة في حياته ، إن عرضت شهوته واقع الخطيئة ثمّ تمنى التوبة ، وإن عرض له عمل الآخرة دافع ، يبلغ في الرغبة حين يسأل ، ويقصّر في العمل حين يعمل ، فهو بالطول مدلّ ، وفي العمل مقلّ ، يبادر في الدنيا يعيى بمرض ، فإذا أفاق واقع الخطايا ولم يعوّض ، يخشى الموت ولا يخاف الفوت ، يخاف على غيره بأقلّ من ذنبه ، ويرجو لنفسه بدون عمله ، وهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، يرى الأمانة ما رضي ، ويرى الخيانة إن سخط ، إن عوفي ظنّ أنّه قد تاب ، وإن ابتلي طمع في العافية وعاد ، لا يبيت قائماً ، ولا يصبح صائماً ، يصبح وهمّه الغذاء ،