ويمسي ونيّته العشاء وهو مفطر ، يتعوّذ بالله مَن فوقه ، ولا ينجو بالعوذ مَن هو دونه ، يهلك في بغضه إذا أبغض ، ولا يقصّر في حبّه إذا أحبّ ، يغضب من اليسير ، ويعصي على الكثير ، فهو يطاع ويعصي ، والله المستعان » (١).
أقول : قارن هذه الوصية مع الحكمة ( ١٥٠ ) نهج البلاغة بشرح محمّد عبده (٢) ، تجدها مأخوذة منها مع تغيير بعض ألفاظها بما يرادفها ، ولا تكاد تفرّق بينهما ، وتلك الحكمة هي الّتي قال عنها الشريف الرضي ( رحمه الله ) : « لو لم يكن في الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكّر » (٣).
وهي بحق كذلك ، ولا غرابة فقد وصفها حبر الأمة لابنه أبلغ وصف حين قال له : إنّي مودعك كلاماً إن وعيته اجتمع لك به خَير الدنيا والآخرة.
وأخرج الطبراني في المعجم بسنده عن زاذان قال : « مرض ابن عباس مرضة ثقل منها فجمع إليه بنيه وأهله ، فقال لهم : إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول : ( من حج من مكة ماشياً حتى يرجع إليها فله بكلّ خطوة سبع مائة حسنة من حسنات الحرم ) ، فقال بعضهم : وما حسنات الحرم؟ قال : ( كلّ حسنة بها ألف حسنة ) » (٤). وأحسب أنّ هذا كان منه في الطائف في مرضه الّذي توفي فيه ( رحمه الله ).
وكان ابن عباس ( رحمه الله ) يقول : « آخر شدّة يلقاها ـ ابن آدم ـ المؤمن الموت » (٥).
____________________
(١) أمالي المفيد / ١٧٦ ط الحيدرية سنة ١٣٦٧ هـ.
(٢) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده / ١٨٩ حكمة ( ١٥٠ ).
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المعجم الكبير ١٢ / ٨٢ ط الموصل.
(٥) صفة الصفوة ١ / ٣١٩.