فهذه سبع روايات عن سبعة من التابعين كلّهم ادعوا المشاهدة لظاهرة غريبة لم يسبق لها مثيل ، وهؤلاء أربعة منهم ـ وهم الثلاثة الأوائل والسادس كانوا من أهل الطائف ، والثلاثة الآخرون كانوا من تلاميذ ابن عباس ، واحتمال تواطئهم على الكذب في ذلك مستبعد جداً ، لا لأنّهم جميعاً فوق مستوى الشُبهة ، بل لو كان ذلك عن تواطؤ لما اختلفت رواياتهم في وصف الطائر بعد اتفاقهم على أنّه طير أبيض ، فوصفه الأوّل بأنه عظيم ، وقال الثاني : يقال له الغرنوق ، وقال السادس لم يُر على خلقته ، وهذا التفاوت في النقل يوحي باطمئنان رؤيتهم على نحو الكشف ، وهو أمر ممكن الوقوع ، ولا استحالة عقلية فيه ، بل اتفاق من ذكرنا من المحدثين والمؤرخين على روايته من دون تعقيب بما يوحي بالريب والتشكيك ، يعني إخباتهم بصحته ، وأمّا تعقيب عفان ـ شيخ ابن سعد ـ على الرواية الأولى بقوله : فكانوا يرون أنّه علمه ـ عمله خ ل ـ فهو يؤيد الوقوع بناء على القول بتجسيد الأعمال كما هو الصحيح ، وقد ورد في أحاديث البرزخ والقيامة ما يدفع معرّة الإنكار.
وحسبنا في المقام دليلاً على تجسم العمل قبل القيامة حديث الرسول الكريم مع قيس بن عاصم النقري سيّد أهل الوبر وقد وفد مع بني تميم ، فقد طلب من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) موعظته ، فوعظه موعظة حسنة جاء فيها : ( وإنّه لا بدّ لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ولا تحشر إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فإنّه إن صلح أنستَ به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه وهو فعلك الخير ) (١).
____________________
(١) أنظر بحار الأنوار ٣ / ٢٥٧ ط الكمياني حجرية و ٧ / ٢٢٨ ط الإسلامية نقلاً عن الشيخ البهائي القائل بتجسم الأعمال.