التغاير بينهما ، وإن جاء فيها بعض ما مرّ في الأولى ، وذلك لا يعني أنّها هي وقد تزيّد فيها الرواة ، خصوصاً إذا لاحظنا المصدر وما فيه ممّا يحمل على سوء الظن والإتهام ، فإنّ البيان المحبوك بصنعة الإنشاء يشبه نتاج صنّاعي الأدب في العصر العباسي الأوّل ، حيث كان حمّاد الراوية وحمّاد عجرد ، أو العصر الثاني حيث كان الجاحظ وحتى نسج أبي حيّان فلا يغيب عن الأذهان ، ولربّما تزيّد الرواة إسماً أو رسماً فازدادوا إثماً ، لكن لا يعقل أن تكون المحاورة جميعها من نسج الخيال.
ومهما يكن الحال ، فإلى القارئ صورة ما وجدته في كتاب أخبار الدولة العباسية قال فيه : « دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله بن عمر ، فلمّا جلس قال له معاوية : إنّك يا بن عباس لترمقني شزراً ، كأني خالفت الحقّ أو أتيت منكراً.
قال ابن عباس : لا منكر أعظم من ذبحك الإسلام بشفرة الشرك ، واغتصابك ما ليس لك بحق اعتداءً وظلماً.
فقال معاوية : إنّما ذبح الإسلام من قتل إمام الأمة ونقض العهد ، وخفر الذمة ، وقطع الرحم ولم يرع الحرمة وترك الناس حيارى في الظلمة.
قال ابن عباس : كان الإمام من سبق الناس إلى الإسلام طراً ، وضرب خيشوم الشرك بسيف الله جهراً ، حتى انقاد له جماهير الشرك قهراً ، وأدخلك وأباك فيه قسراً ، فكان ذلك الإمام حقاً ، لا من خالف الحقّ حمقاً ، ومزّق الدين فصار محقاً.
فقال معاوية : رفقاً يا بن عباس رفقا ، فقد أتيت جهلاً وخُرقاً ، فوالله ما قلتَ حقاً ، ولا تحريت في ( كلامك / ظ ) صدقاً ، فمهلاً مهلاً ، لقد كان من ذكرته إماماً