بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين فأفرح به وما لي بها من سائمة ولا راعية ، وإنّي لآتي على آية من كتاب الله فوددت أنّ المسلمين كلّهم يعلمون منها مثل ما أعلم (١) وهذه غيرية فاضلة عزّ نظيرها.
والشواهد على ذلك في أقواله وأفعاله كثيرة ، وفي أخباره المنثورة وحكمه المأثورة شواهد صدق ، نسوق بعضاً من أخباره مع الناس نتعرّف فيها خلقه الرفيع في مداراة الناس ومجاراتهم حسب مداركهم العقلية ، فلم يمنعه علمه وشرفه عن إجابة السائل عن مسألته وإن تكن في نظر الكثير ليست بذي بال أو تافهة ، وفي بعض تلك الشواهد نتعرف على جوانب من جامعيته العلمية فضلاً عن قدراته العقلية الّتي سيأتي الكلام عنها في الحلقتين الثانية والثالثة بعون الله.
وله مع ذلك الخلق الرفيع شجاعة على إنكار المنكر عز نظيرها عند غيره ممّن هو في سنّه ، بل فاق آخرين ممّن كانوا أكبر سناً منه ، ومرت بنا في تاريخه بعض الآثار والأخبار ، عالج فيها اصلاح مواضيع اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية عجز عنها غيره ، وقد مرت شواهد كثيرة ، أهمها ما كانت مع الحاكمين ، فلم ترهبه سطوة الحكم ولم يخش بطش الظالمين وكان هو أشد جرأة مع من كانوا في نظره من المتطفلين الّذين اتخذوا الحديث وسيلة لاقتناص المغفّلين من المسلمين ، وحسبنا في المقام قوله : « كلما لعق أحدهم من الإسلام لعقة ، ذهب يقول : حدّثني رسول الله ، ووالله ما حدّثه رسول الله بشيء ، ولا هو ممّن يفقهون حديثاً » (٢).
وستأتي بعض الشواهد الأخرى من هذا النمط في الحلقات الآتية ان شاء الله.
____________________
(١) الاصابة ٢ / ٣٣٠ ، وصفوة الصفوة ١ / ٣١٧.
(٢) من أين نبدأ / ٥٢ خالد محمّد خالد ط الثامنة سنة ١٩٥٤ وقد مرّ بلفظ آخر عن مجمع الزوائد ومعجم الطبراني.