وقالوا : شجُع الرجل ـ بالضم ـ قوي قلبُه واستهان بالحروب جرأة وإقداماً (١).
وهاتان الصفتان ممّا تميز بهما ابن عباس. فلقد تميز بجرأة نادرة وشجاعة فائقة في مواجهة خصومه ، سواء من بيدهم الحكم أم من كان خارج الحكم ، فما خاصم أحداً إلاّ خصمه ، ولا جادل أحداً إلاّ أفحمه ، ولا فاخر أحداً إلاّ ألزمه ، وما هادن أحداً منهم على حساب دين أو دنيا ، يقول كلمة الحقّ حتى يصفع وجه خصمه فيجعله كسيراً حسيرا ، وأظهر الشواهد دلالة ما كان يجري بينه وبين معاوية ، وقد مرّت بنا بعض محاوراته ، وستأتي شواهد أخرى كثيرة في الحلقة الثالثة في صفحة احتجاجاته. وكلّها على نمط واحد في اختياره الطريق الوحيد لنصرة أئمة الحقّ ، وإن كان ذلك الطريق هو الصعب والمحفوف بالمخاطر ، وقد سبّب له معاناة كبيرة وكثيرة ، إلاّ انّه ممّن يستسهل الصعب ليبلغ المنى ، ولم نقرأ عن أحد من أهل البيت في زمانه سوى الحسنين ( عليهما السلام ) أشد جرأة من ابن عباس ولا أقوى حجة وبرهاناً في إفحام معاوية حتى اضطره كثيراً ـ لا حيناً ـ إلى المراوغة فيبدي الأنكسار مع عتوه وجبروته ، ومع تلك القوة الشخصية فلم يكن بمعزل عن الدعاء والاستعانة بالله سبحانه في أن يدفع عنه شرور أعدائه ، فقد علّم سعيد بن جبير فقال له : « إذا دخلت على السلطان وهو مهيب تخاف أن يسطو عليك فقل : الله أكبر وأعزّ ممّا أخاف وأحذر ، اللّهمّ ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم ، كن لي جاراً من عبدك فلان وجنودَه وأشياعَه وأتباعَه ، تبارك اسمك جلّ ثناؤك وعزّ جارك ولا إله غيرك » (٢).
____________________
(١) المصباح المنير : جرى ، شجع.
(٢) العقد الفريد ٣ / ٢٢٤ تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.