فقال عمرو بن العاص : هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم أوّل الشر ، وأفول آخر الخير ، وفي حسمه قطع مادته ، فبادره بالحملة ، وانتهز منه الفرصة ، واردع بالتنكيل غيره ، وشرّد به مَن خلفه.
فقال ابن عباس : يا بن النابغة ضلّ والله عقلك ، وسفه حُلمك ، ونطق الشيطان على لسانك ، هلاّ تولّيت ذلك بنفسك يوم صفين ، حين دعيت نزال ، وتكافحَ الأبطال ، وكثرت الجراح ، وتقصّفت الرماح ، وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولاً ، فانكفأ نحوك بالسيف حاملاً ، فلمّا رأيت الكواثر من الموت ، أعددتَ حيلة السلامة قبل لقائه ، والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه ، فمنحته رجاء النجاة عورتك ، وكشفت له خوف بأسه سوأتك ، حذراً أن يصطلمك بسطوته ، أو يلتهمك بحملته ، ثمّ أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته ، وحسّنت له التعرّض لمكافحته ، رجاء أن تكتفي مؤنته ، وتعدم صورته ، فعلم غلّ صدرك وما انحنت عليه من النفاق أضلعك ، وعرف مقرّ سهمك في غرضك ، فاكفف غرب لسانك ، واقمع عوراء لفظك ، فإنك لمن أسدٍ خادر ، وبحر زاخر ، ان تبرّزت للأسد افترسك ، وإن عُمت في البحر قمسَك.
فقال مروان بن الحكم : يا بن عباس إنّك لتصرّف بنابك ، وتوري نارك ، كأنّك ترجو الغلبة ، وتؤمل العافية ، ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله ، فأوردكم منهلاً بعيداً صَدرُه ، ولعمري لئن سطا بكم ليأخذنّ بعض حقه منكم ، ولئن عفا عنكم جرائركم فقديماً ما نسب إلى ذلك.
فقال ابن عباس : وإنّك لتقول يا عدو الله وطريد رسول الله ، والمباح دمه ، والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه ، وركوب أثباجه ، أما والله لو طلب معاوية ثاره لأخذك به ، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله