نحو لو أطلع معه أجنبي على حكمنا لاقتنع بأنّه نتيجة حتمية للأصل المقرر ، وبهذا نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه (١).
أمّا من يطّلع على قول مذهب من المذاهب ، ويؤمن به ويتعصّب له ، لا لشيء إلّا لأنّه مذهب آبائه ، ويحكم على سائر المذاهب بأنّها بدعة وضلاله فهو مصداق للآية الكريمة : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (٢).
وأي فرق بين رجل أفنى العمر في حفظ معتقدات أبيه ودرسها ، لا يتجاوزها قيد أنملة ، ورجل لم يقرأ ، ولم يكتب ، ولم يدرس شيئاً ، ولكن تكونّت له من بيته وبيئته عادات ومعتقدات؟ أيّ فرق بين الرجلين حتّى يقال : ذاك عالم ، وهذا جاهل؟!
ليس العالم من وثق برأيه ومعتقدات آبائه ، وكانت له المقدرة التامة على المحاورة والمداورة ، وإنما العالم من فصل الواقع عن ذاته وعاطفته ، وفكّر تفكيراً حرّاً أو مطلقاً ، لم يتعصّب لرأي على رأي ، بل يقف من كلّ قول موقف الشك والتساؤل ، وإن كثر به القائلون ، وآمن به الأقدمون.
إنّ احترام العالم يقاس باحترامه للحقيقة ، فهي ضالته أينما وجدت.
لقد أثبتت التجارب أنّ الاختصاص بعلم من العلوم يحتاج إلى ثقافة عامة ، ومعرفة نظريات ومبادئ علوم شتّى ، فكيف يكون الإنسان متخصِّصاً
__________________
١ ـ إشارة لقوله تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) الزمر ( ٣٩ ) : ١٨.
٢ ـ البقرة (٢) : ١٧٠.