الطامع فيهم بأباطيله حيناً من الدهر ، وهكذا كان التنافس بين الدولة الغالبة المضعضعة ، وشعور الاعتزاز عند المسلمين كلاهما من الأسباب المهيّئة لظهور فكرة إصلاحية جديدة.
وفي هذا الوقت الذي أرهفت فيه مشاعر المسلمين وقعت حادثة هزّت عواطفهم هزّة عنيفة ، مع أنّها لو وقعت في غير وقت الحسّاسية لمرّت عادية ولم تترك أثراً ، والحوادث العادية إن وقعت في زمن الحساسية فغالباً ما تصنع المعجزات!
وقعت الحادثة في الحرم الآمن وفي الشهر الحرام وفي أيام الحجّ بالذات وراح ضحيتها شاب مسلم قصد إلى الحجّ ، وقطع أكثر مراحل سفره سائراً على قدميه حتّى وصل البيت الحرام ، وهناك أصابه مرض ، فغلبه القيء فتلقّاه في حجره حرصاً على طهارة البيت ، ولكن حظّه السيئ خيل لبعض الطائفين أنّه يحمل ما يحمل يريد به تلويث البيت فصاح بذلك في الناس ، وليس من عادة الجماهير أن تتثبت إذا هيّجها مهيّج ، فشهدوا عليه بما كان منه بريئاً ، وقتلوه مظلوماً ، وهو في رحاب الحرم الشريف الآمن!
وإنّما كان مبعث ذلك سوء ظن طائفة بطائفة ، وكان يمكن أن تؤدّي هذه الحادثة إلى أسوأ النتائج ، وأن تثير الأحقاد ، وأن تهيج العصبيات القديمة ، وأن تقطع الصلات بين فريقي المسلمين ، ولكن هذه الحادثة أثّرت في كثير من المفكّرين تأثيراً كان له عاقبة محمودة ، ووضعت الأصبع على موضع الداء ، فكأنّما أراد الله أن تكون موجهة للمصلحين إلى الاهتمام بهذا الداء الوبيل داء التفرّق الطائفي بالذات.
ولا عجب أن تكون هذه الواقعة مع ما اكتنفها من خطورة مفزعة حافزاً