فإنّ الدول القوية التي كانت تهيمن على مقدّراتنا ، وترسم لنا سياستنا منذ أمد طويل ـ هذه الدول خرجت من الحرب منهكّة القوى مخضودة الشوكة سواء في ذلك الدول الغالبة والمغلوبة.
وقبل أن تستردّ الدول الغالبة أنفاسها بدأت بينها حرب ثالثة غير أنّها كانت حرباً باردة.
فجعل بعضهم يضرب بعضاً ، وجعل كلّ منهم يخلق المشكلات للآخرين ، حتّى سقطت هيبتهم جميعاً ، وبذلك سقطت هيبة الدول التي كنّا نؤخذ بها ونسحر بقوّتها ، وانهارت كبرياؤها وشغلت عن تجديد مساعيها للتفرقة بيننا ، بمشاكلها التي أصبحت تهدّد كيانها ، وبذلك ضعفت قبضتها علينا!
وهناك جانب آخر من الواقع في هذه الحرب وما ترتّب عليها من آثار :
ذلك أنّها أوجدت في الشعوب الإسلامية لونا من الاعتزاز بالنفس والاعتزاز بالمبادئ الإسلامية ، فقد رأوا بأعينهم ما جرته المدنية الحديثة على صنّاعها من ويلات وبلايا ومن فتك ذريع ومن جرائم وحشية اقترفها أساتذة المدنية الحديثة ضدّ الإنسانية ، حبّا في السيطرة.
وأدركوا بيقين أنّ المدنية والمذاهب الاجتماعية التي كان يتيه بها أصحابها في الشرق أو الغرب والمثل التي يتشدّق بها هؤلاء وهؤلاء ، لم تستطع أن تكبح من ضراوتهم ، أو تحدّ من وحشيتهم وأنّ الأسلحة الفتّاكة التي طالما هدّدونا بها استخدمت في القضاء عليهم.
لقد كان هذا كلّه بمثابة ضجّة أيقظت المسلمين من سباتهم ، ودفعتهم إلى الاهتمام بما عندهم من مبادئ إنسانية ، ومن مثل عليا خدعهم عنها العدو