لقد تقرّر توقيفية أسماء الله تعالى ، فليس لأحد أن يبتكر من عند نفسه اسماً لله لم يرد عن الله ، وتقرّر توقيفية العبادات ، فليس لأحد أن يبتدع عبادة لم تشرّع.
أمّا أن يقوم المسلم ـ وهو الذي فتح الله أمامه أبواب التفكير في السماوات والأرض ـ بتوقيفية البحث والتفكير ، فهذا ما لم نكن نتصوّره. ولكنّه مع الأسف الشديد كان سيرتنا في التعصّبات الطائفية.
إنّ الأسر التي حكمت باسم الخلافة الإسلامية قروناً طويلة ، كانت ترى في آل علي المعارض الوحيد الخطير عليها ، فكانت تسيء إلى شيعة آل علي وتستخدم الأقلام والألسنة ضدّهم ، حتّى أوجدوا حول الشيعة كثيراً من الخلط ، وكثيراً من التشويش. وكان يمكن لأي مصلح يتصدّى للدفاع عنهم أن يدرأ عن المسلمين شرّ التفرّق ، ولكن القوّة التي بيد الخلفاء ومقاومة بعض الحكام من الجانب الآخر كلاهما سخّر الأقلام والضمائر ضد كلّ محاولة من هذا القبيل ، وقضى عليها.
نعم ، هناك محاولات وقعت فيما مضى ، إلّا أنّها كانت فردية من جهة ، ولم تكن على أساس مدروس من جهة أخرى ، وكانت تارة سياسية ترمي إلى وحدة الحكم ، وتارة غير عملية كمحاولة توحّد المذاهب سنيها وشيعيها ، وبجانب هذا لم يكن الرأي العام يدرك حينئذ ما في التفرّق أضرار.
من أجل ذلك كلّه ، لم تنجح واحدة من تلك المحاولات المشكورة ، وإن تركت آثاراً في نفوس قلّة من المفكّرين.
وبعد هذا ساق الله الظروف المواتية لإيقاظ المسلمين ، وهيّأ الأسباب التي تعين على ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية.