سواء أصحّت هذه القصّة أم كانت من صنع الخيال ، فإنّها تعبّر عن واقع المسلمين الذين لا يصدّقون عشرات الملايين من المصاحف الموجودة أمامهم ، ويحكمون عليها بما قاله مؤلّف انقضى على عصره قرون ، أتراهم ألفو تقديس كلّ ما هو قديم ولو كذّبه الواقع الملموس؟!
فإذا أضفنا إلى ذلك تحكم عنصر الوراثة ، وحرص الأبناء على الأخذ بما وجدوا عليه آباءهم أو سمعوه منهم ؛ تبيّن بوضوح أنّ محاولة التقريب كانت تبدو مستحيلة التحقيق. أجل! ولقد ظلت الفرقة بين المسلمين غذاءً مناسباً للحكم والحكّام قروناً عدّة ، دأب فيها كلّ حاكم على استغلالها لتثبيت سلطانه ، ولتحطيم عدوه ثمّ جاءت السياسات الأجنبية فوجدت في هذه الفرقة خير وسيلة تدخّلها ، وبثّ نفوذها ودعم سلطانها وفرض سيادتها.
والسياسات الأجنبية هي التي أوحت إلى كثير من أعدائنا الذين يتستّر بعضهم وراء اسم المستشرقين بالعمل ليكملوا إحكام الحلقة حولنا ببحوثهم التي تقوم على دسّ السموم ، وانخدع بهم بسطاؤنا فكان بعضهم يحكم على بعض بما كتبه هذا المستشرق أو ذاك!
وهكذا صدقنا هؤلاء المستشرقين ، كما كنّا نصدّق المؤرّخين الدسّاسين وكتبة الأوهام وواضعي الأحاديث. وسيطرت علينا جاذبية الجديد البرّاق ، كما سيطرت علينا هيبة القديم المألوف ، فحرمنا أنفسنا حقّ التفكير فيما ذكره هؤلاء وهؤلاء ، وأنكرنا على أنفسنا أن يكون لنا تفكير مستقل ندرس به أنفسنا من واقعنا!
وبجانب هذا وقفت السياسات الأجنبية المسيطرة علينا ، وقفت بالمرصاد في وجه كلّ فكرة إصلاحية ترمي إلى توحيد كلمة المسلمين.