كقول أبي عليهالسلام : إذا رأيت الدم البحرانيّ ، فإن لم يكن الأمر كذلك ولكنّ الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ، لأنّ قصّتها كقصّة حمنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً» (١) انتهى الخبر الشريف.
ولا يخفى على مَنْ تأمّل فيه حقّ التأمّل أنّه لا منافاة بينه وبين الأخبار السابقة ، بل هذه الرواية بنفسها شاهدة على المدّعى ؛ فإنّ سوق الرواية يشهد بأنّه عليهالسلام لم يقصد بهذه الرواية إلّا بيان ما يستفاد من الأحكام المختلفة الصادرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في الوقائع الثلاث ، والتنبيه على أنّه يفهم منها سنن ثلاث يدور مدارها جميع أحكام المستحاضة ، وهي وجوب تشخيص دم الحيض عن الاستحاضة بمصادفة أيّام العادة إن أمكن بأن كانت المرأة معتادةً وعارفةً بعادتها ، وحينئذٍ لا يجوز لها الاعتناء بسائر الأمارات التي يعرف بها ، فإنّ مصادفة العادة أقوى الأمارات لا يزاحمها غيرها ، فإنّ الصفرة والكدرة مثلاً في أيّام الحيض حيض ، ولذا أمرها النبي صلىاللهعليهوآله بالرجوع إلى العادة ، ولم يسنّ لها إلّا ذلك ، وهذه هي السنّة الأُولى ، وعند فقد هذه الأمارة احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره باعتبار كثرته وقلّته وتغيير لونه من السواد أو اختلاف أحواله من حيث الحرارة والبرودة والخروج بحرقة وكونه عبيطاً ، فأمرها النبي صلىاللهعليهوآله بذلك ، أي تشخيص دم الحيض بالأمارات الظنّيّة عند حاجتها إليها بمعنى أنّه صلىاللهعليهوآله جعل هذه الأمارات حجّةً في حقّها ، وهذه هي السنّة الثانية.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٩ / ١ ، الوسائل ، الأبواب ٣ و ٥ و ٧ و ٨ من أبواب الحيض ، الأحاديث ٤ و ١ و ٢ و ٣.