وأمّا منع حكومة العقل بوجوب الاحتياط في التكليف المردّد بين مشتبهات متدرّجة في الوجود فقد مرّ تضعيفه في الشبهة المحصورة ، وأوضحنا عدم الفرق بين ما لو كان الابتلاء بأطراف الشبهة دفعةً أو تدريجاً ، وبيّنّا ما هو المناطفي الابتلاء وعدمه المؤثّرين في تأثير العلم وعدمه ، فراجع.
وكيف كان فإنّما يمكن الالتزام بمقالة الشيخ لو لم نقل بحرمة العبادات عليها ذاتاً ، وإلّا فلا مجال للاحتياط بالنسبة إلى عباداتها الواجبة ؛ لدوران الأمر فيها بين المحذورين ، فمقتضى الأصل فيها التخيير ما لم يكن أحد الاحتمالين أرجح أو أهمّ ، وإلّا فالأخذ به متعيّن. وأمّا العبادات المستحبّة كسائر المحرّمات ، فيجب عليها تركها احتياطاً.
هذا هو الذي تقتضيه الأُصول العمليّة ، وحيث إنّ الأظهر لدينا حرمة الصلاة عليها ذاتاً فالأصل يقتضي في الواجبات منها كونها مخيّرةً بين الفعل أخذاً باحتمال كونها طاهرةً والترك بملاحظة احتمال كونها حائضاً.
وقد تقرّر في محلّه أنّ التخيير الناشئ من حكم العقل عند دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير الاستمراري ، فمقتضاه كونها مخيّرةً في تمام الشهر بين فعل الصلاة وتركها ؛ لأنّ كلّ يومٍ يومٍ مثلاً بنظر العقل موضوع مستقلّ أمرها دائر فيه بين المحذورين ، غاية الأمر أنّها لو اختارت الترك في الجميع عليها تدارك ما فات منها من العبادات بعد أن طهرت.
لكنّك خبير بأنّ جواز الترك في جميع المدّة مخالف للإجماع بل الضرورة ، بل التفكيك بين الأيّام بأن تترك يوماً وتصلّي يوماً أيضاً كذلك ، فليس لها إلّا اختيار الترك في جميع الشهر بقدر عادتها من دون تفكيك