هذا إذا لم تكن العلّة متحقّقةً ، وأمّا إذا أُحرز وجودها كما لو علم بكون الجوف مجروحاً أو مقروحاً ، أو بحصول الاقتضاض المقتضي لخروج الدم ، وشكّ في كون الدم منه أو من الحيض فلا يتمشّى الأصل ؛ إذ لا شكّ في عدم السلامة ، فلا بدّ حينئذٍ من الرجوع إلى ما جَعَله الشارع طريقاً لتشخيص كلٍّ من الدمين ، كخروج القطنة مطوّقةً أو منغمسةً ، أو من الجانب الأيسر ونحوه.
وأمّا لو تردّد الدم بين كونه حيضاً أو استحاضةً فيشكل البناء على كونه حيضاً ؛ لما عرفت من إمكان المناقشة في أصالة السلامة ، النافية لاحتمال كونه استحاضةً من حيث كثرة الابتلاء بها ، وقد أشرنا إلى أنّ الاعتماد على أصالة السلامة بالنسبة إلى الآفات العامّة البلوى مشكل خصوصاً في مثل هذه الآفة التي لا تعدّ آفةً في العرف والعادة.
اللهمّ إلّا أن يمنع كثرتها ، ويدّعى وضوح كون الاستحاضة في العرف والعادة منشأها اختلال المزاج ، فيكون احتمال كون الدم استحاضةً على هذا التقدير كسائر الاحتمالات ممّا لا يعتنى به لدى العقلاء ما لم يقم عليه أمارة ، كما يؤيّد هذه الدعوى بل يقرّرها التدبّرُ في أخبار الباب وفي أسئلة السائلين وسيرة النساء ؛ فإنّ المتأمّل فيها لا يكاد يرتاب في أنّ احتمال كون الدم الخارج منهنّ ـ ما عدا دم الحيض لم يكن احتمالاً في عرض احتمال كونه حيضاً ، بل لم تكن المرأة ملتفتةً إلى سائر الاحتمالات حتى الاستحاضة إلّا إذا أحسّت خللاً في مزاجها ، كأن استمرّ بها الدم شهراً أو شهرين ، أو رأت الدم ساعة والطهر أُخرى ، أو رأت الدم ثلاثة أيّام أو أربعة والطهر كذلك وهكذا بحيث لولا الاختلال لما اعتنت