توضيح الاندفاع : أنّ المتأمّل في هذه الأخبار المتكثّرة لا يكاد يتردّد في أنّ سائر الاحتمالات لم تكن ملحوظةً وملتفتاً إليها أصلاً ؛ لما هو المغروس في أذهانهم من أنّ الأصل في الدم أن يكون حيضاً ، وإلّا لكان على الإمام عليهالسلام أو السائلين الاستفصال عن حكم صورة الشكّ في مثل هذه الموارد التي قلّما تنفكّ عن سائر الاحتمالات على تقدير الاعتناء بها ، خصوصاً احتمال كونها استحاضةً ، فكون المراد من الدم هو الدم المعهود في أغلب هذه الروايات مسلّم لكن لم تكن معهوديّته إلّا لكونه أصلاً فيه ، فكما لا ينتقل الذهن عند السؤال عن حكم الدم الذي تراه المرأة إلّا إلى إرادة الدم المعهود ، كذلك لا ينتقل عند رؤيته إلّا إلى كونه ذلك الدم ، وإلّا لكان السائل يسأل في مثل هذه الموارد عن حكم صورة الشكّ.
والحاصل : أنّ المتأمّل في الأخبار وفي كيفيّة أسئلة السائلين وفي أجوبتهم لا يكاد يشكّ في أنّ رؤية الدم كانت عندهم أمارة الحيض ما لم يتحقّق خلافه.
ألا ترى إلى ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال عليهالسلام : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت ، فإن كان أكثر أيّامها التي تحيض فيهنّ فلتتربَّص ثلاثة أيّام بعد ما تمضي أيّامها ، فإذا تربّصت ثلاثة أيّام ولم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة» (١) فإنّ المفروض في السؤال ليس إلّا رؤية الدم قبل الوقت ، بل ظاهره أنّ السائل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٧٧ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١.