من أصحابي أحد إلّا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدّرداء» فقال سيبويه : ليس أبو الدرداء ، فصاح به حماد : لحنت يا سيبويه ، إنما هذا استثناء ، فقال سيبويه : والله لأطلبنّ علما لا يلحنني معه أحد ، ثم مضى ولزم الخليل وغيره.
والثاني : أن يقترن الخبر بعدها بـ «إلّا» نحو : «ليس الطّيب إلا المسك» بالرفع ، فإنّ بني تميم يرفعونه حملا لها على «ما» في الإهمال عند انتقاض النفي ، كما حمل أهل الحجاز «ما» على «ليس» في الإعمال عند استيفاء شروطها ، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء ، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي ، فجاءه فقال له : يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك؟ ثم ذكر ذلك له ، فقال له أبو عمرو : نمت وأدلج الناس ، ليس في الأرض تميميّ إلا وهو يرفع ، ولا حجازي إلا وهو ينصب ، ثم قال لليزيدي ولخلف الأحمر: اذهبا إلى أبي مهدي فلقّناه الرفع فإنه لا يرفع ، وإلى المنتجع التميمي فلقّناه النصب فإنّه لا ينصب ، فأتياهما وجهدا بكلّ منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعل ، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى ، فقال له عيسى : بهذا فقت الناس.
وخرّج الفارسيّ ذلك على أوجة :
أحدها : أن في «ليس» ضمير الشأن ، ولو كان كما زعم لدخلت إلا على أول الجملة الاسمية الواقعة خبرا فقيل : ليس إلا الطيب المسك ، كما قال [من الطويل] :
٣٠٩ ـ ألا ليس إلّا ما قضى الله كائن ، |
|
وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرّا (١) |
وأجاب بأن «إلا» قد توضع في غير موضعها مثل : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢] ، وقوله [من المتقارب] :
٣١٠ ـ [أحلّ له الشيب أثقاله] |
|
وما اغترّه الشّيب إلّا اغترارا (٢) |
أي إن نحن إلّا نظنّ ظنّا ، وما اغترّه اغترارا إلا الشيب ؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التّوكيدي ، لعدم الفائدة فيه. وأجيب بأن المصدر في الآية والبيت نوعيّ على حذف الصفة ، أي : إلّا ظنّا ضعيفا وإلا اغترارا عظيما.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٩٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٠٤.
(٢) البيت من المتقارب ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٩٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٧٤ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ص ٧٠٤.