وقد اجتمعتا في قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] ولو جيء بـ «عند» فيهما أو بـ «لدن» لصلح ، ولكن ترك دفعا للتكرار ، وإنما حسن تكرار «لدى» في (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) [آل عمران : ٤٤] لتباعد ما بينهما ، ولا تصلح «لدن» هنا ، لأنه ليس محلّ ابتداء.
ويفترقن من وجه ثان ، وهو أنّ «لدن» لا تكون إلّا فضلة ، بخلافهما بدليل : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) [المؤمنون : ٦٢] ، (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) [ق : ٤].
وثالث ، وهو أن جرّها بـ «من» أكثر من نصبها ؛ حتى إنها لم تجىء في التنزيل منصوبة ؛ وجرّ «عند» كثير ، وجرّ «لدى» ممتنع.
ورابع ، وهو أنهما معربان ، ...
______________________________________________________
فتأمله (وقد اجتمعتا) أي : كلمة عند وكلمة لدن ذات النون (في قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] ولو جيء بعند فيهما أو بلدن) فيهما أيضا (لصح) إذ هما بمعنى (ولكن ترك) المجيء بهما (دفعا للتكرار ، وإنما حسن تكرار لدى في وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران : ٤٤] (لتباعد ما بينهما ولا تصلح لدن هنا) أي : في آيةآل عمران (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) (؛ لأنه ليس محل الابتداء) ولدن ذات النون لا تدخل إلا في محل ابتداء الغاية كما عرفت (ويفترقن) أي : عند ولدى ولدن (من وجه ثان) غير الأول الذي مضى (وهو أن لدن) ذات النون (لا تكون إلا فضلة) فلا تقع إلا في محل نصب على المفعولية ، فإن قلت : يجوز أن يقال علم من لدن زيد ببناء علم للمفعول ونيابة الظرف عن الفاعل ، فيكون في محل رفع فانتقض ما ذكره ، قلت : إنما يجيز نيابة الظرف غير المتصرف الأخفش ، والجمهور على خلافه وعليه فلا نقض (بخلافهما) أي : بخلاف عند ولدى فإنهما قد يقعان فضلة نحو : جلست عندك ولديك ، وقد يقعان عمدة (بدليل) قوله تعالى : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) [المؤمنون : ٦٢] وقوله تعالى : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) [ق : ٤] فالظرف وقع فيهما خبرا للمبتدأ فهو عمدة ، فإن قلت : إنما خبر المبتدأ في الحقيقة متعلق الظرف ، وهو كان أو كائن ، وعند ذلك يكون الظرف فضلة قلت : لما حذف الخبر وجوبا وقام الظرف مقامه أعطي حكمه.
(و) يفترقن أيضا من وجه (ثالث وهو أن جرها) أي : جر لدن ذات النون (بمن أكثر من نصبها) وسياق الاستشهاد على وقوعها منصوبة (حتى أنها لم تجيء في التنزيل منصوبة) البتة ، وإنما جاءت فيه مجرورة بمن ، وانظر موقع هذه الغاية هنا (وجر عند كثير ، وجر لدى ممتنع.
و) يفترقن أيضا من وجه رابع وهو أنهما أي : عند ولدى ذات الألف (معربان) وقد نبهناك