أيضاً. إقراً قوله تعالى : (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)١. هكذا ظهر لنا من القرآن الكريم أنّ الوصيّة لا تختصّ بالأمور الدنيويّة، بل تشمل الأمور والعقائد الدينيّة أيضاً. والوصيّة في الأمور الدينيّة أعظم وأولىٰ من الوصيّة في الأمور الدنيويّة، فإذا كان دينار واحد بحاجة إلى وصيّة، فما تقول في قيادة أمّة عظيمة جبّارة؟ وخاصّة من رسول الله صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء والمرسلين الّذي هو مبدأ الخير ومنبع الدّين ومُعلّم الإسلام ومبيّن الأحكام، والذي دينه خاتمة الأديان، وأمّته خير الأمم، فهل يمكن وهل يعقل أن يفارق الحياة ويترك هذه الأمّة الفتيّة تتنازع على الخلافة وتتحارب على الرئاسة؟
وبعد أن ثبت ـ على ضوء القرآن والعقل ـ أنّ تعيين الوصيّ والخليفة أمر ضروريّ ودينيّ وفطريّ. يأتي دور السؤال الثاني : مَن هو الخليفة الّذي عيّنه الرسول صلىاللهعليهوآله مِن بعده؟
لقد ذكر المؤرّخون والمفسّرون أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله عيّن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام خليفة له من بعده بأمر من الله تعالى. وقد صرّح صلىاللهعليهوآله بخلافة عليّ وأمر المسلمين بطاعته ومتابعته والانضواء تحت لوائه مراراً وتكراراً في مناسبات مختلفة، وبصورة إجماليّة وتفصيليّة.
ونشير إلى بعض تلك المناسبات الّتي أكّد النّبيّ صلىاللهعليهوآله فيها أنّ عليّ بن أبي طالب هو خليفته ووصيّه دون سواه.
منها : يوم الدّار. لمّا نزل قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)٢، ولقد سجِّل المؤرّخون والمفسّرون والمحدّثون هذه القضيّة التاريخيّة الخالدة في
_______________________
١ ـ البقرة / ١٣٢.
٢ ـ الشعراء / ٢١٤.