وذلك أنّه ليس أحدٌ من قريش إلّا وقد وَتَره أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام بأخٍ، أو ابن عمّ، أو قريب. وهذا دليل على أنّ تلك الضغائن لا تزول، وتلك الأحقاد لا تحول، أورثته تلك القتلى الّتي قتل في طاعة الله ورسوله ضغائن وأحقاد في صدورهم لعليّ عليهالسلام، فلهذا كرهت قريش ولاية عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.١
وكان مظلوماً عند وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله، قال ابن قتيبة الدينوريّ : خرج عليّ عليهالسلام يحمل فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله، قد مَضَت بيعتنا لهذا الرّجل، ولو أن زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عَدَلنا به! فيقول عليّ عليهالسلام : أفكنتُ أدَعُ رسولَ الله صلىاللهعليهوآله في بيته وأخرج أُنازع النّاس سلطانه؟! فقالت فاطمة عليهاالسلام : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما اللهُ حسيبهم وطالبهم.٢
وكان مظلوماً أيضاً عند دفن سيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام سرّاً، وعفا على موضع قبرها، مظلوماً في أمر التحكيم. قال ابن أبي الحديد : إنّ الّذي دعا إليه (أي أمر التحكيم) طلب أهل الشّام له. واعتصامهم به من سيوف أهل العراق، فقد كانت أمارات القهر والغلبة لاحت ودلائل النّصر والظّفر وضحت، فعَدَل أهلُ الشام عن القِراع إلى الخداع، ورفع المصاحف على رؤوس الرّماح، وكان ذلك برأي عمرو بن العاص.٣
وكان شدّة بعض مصيبته ومظلوميّته وعِظم صبره أعظم من مصيبة ولده الحسين عليهالسلام، حتّى دخلوا بيته بغير إذنه لأخذ البيعة، وضُرِبت بنت رسول
_______________________
١ ـ الكامل المنير ٣ / ١٦٩.
٢ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٢٩، ٣٠.
٣ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٢٠٦ ـ ٢١٩؛ كتاب صفّين ٤٧٣، ٥٠٩.