يُتركون وحدهم في أمر أو جانب يضعفون أمام المحن الصعبة والأحداث المؤلمة، على عكس ما لو أعانهم أحد وأسندهم ولم يتركهم وحدهم في الميدان، فإنّ الوحشة تزول والقلب ينشط في مثل هذه الحالة، وهنا أيضاً يقول تعالى حيال تهجّم المشركين ومواجهتهم العنيفة : يا أيّها النّبيّ، إنّ من كانت له بيّنة إلٰهيّة، وأعانه شاهد خارجيّ، فهو يؤمن بالقرآن، ولا يشك ولا يتضعضع. ولا ريب أنّ هذا الشخص هو عليّ بن أبي طالب الّذي أسلم منذ اليوم الأوّل للنبوّة، وأعان النّبيّ في تحمّل أعباء الرسالة، ومواجهة الصعوبات الّتي كانت تعترض طريقها.
ولاحظ كلام الفخر الرازيّ ونظرائه من العامّة، حيث قال في تفسيره : وثالثها : (أي من الأقوال) أنّ المراد من (شَاهِدٌ مِّنْهُ) هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.١
وقال الآلوسيّ البغداديّ في تفسيره : وأخرج ابن مردويه بوجه آخر، عن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ) أنا، (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) عليّ، (وَيَتْلُوهُ) أي يتبعه (شَاهِدٌ) عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه، ومعنى كونه (مِّنْهُ) أنّه غير خارج عنه.٢
وعن الحسن بن عليّ عليهالسلام في خطبة طويلة، قال : إنّا أهلَ البيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا، فأذهَب عنّا الرجس وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشّكّ، فلانشكّ في الله الحقّ ودينه أبداً، وطهّرنا من كلّ أفن وغيّة مخلصين إلى آدم نعمة منه، لم يفترق النّاس قطّ فرقَتَين إلّا جَعَلنا الله في خيرهما، فأدّت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمّداً صلىاللهعليهوآله للنبوّة ،
_______________________
١ ـ تفسير الكبير ١٧ / ٢٠٠.
٢ ـ تفسير روح المعاني ١٢ / ٢٥.