٥ ـ ما بينه وبين ذاته المقدّسة
٦ ـ ما بينه وبين أعداء الله تعالىٰ
ولا يخفىٰ أنّ هذه الألفاظ والعبارات العَلَويّة الّتي تزخر بها المصادر إنّما هي بعض ما أفلَت من حملات الإرهاب والمُطَاردة والتّنكيل بأشياع أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ومحبّيه، وبعض ما سلم من حملات الطمس والتزوير والتّحريف التي مارستها السلطات الغاشمة في أزمنة الاضطهاد، وما أكثرها! وقد جاء تصريح محمّد بن إدريس الشافعيّ في فضائل عليّ عليهالسلام وخصائصه الفريدة مُعبِّراً عن هذه الحالة التاريخيّة الخانقة، قال :
«ماذا أقول في رجلٍ أخفَتْ أولياؤه فضائلَه خوفاً، وأخفَت أعداؤه فضائلَه حسداً، وشاع من بين ذَين ما ملأ الخافِقَين».١ والذي يلفت إليه الانتباه لفتاً قويّاً أنّ ما تتّسم به معاني الإمام عليهالسلام من وفرة وفيرة وتنوّع كبير إنّما ينبئ عن جوانب من هذه الشخصيّة العظيمة ذات الأبعاد العميقة والآفاق الوسيعة، وعن توحّد كلّ هذه الأسماء والألقاب والكنىٰ في رجلٍ واحد بلغت فيه حدَّ الإعجاز الذي لا يُضاهىٰ. ومن هنا هزّت ملامحُ هذه الشخصيّة وجدانَ رجال حتّىٰ من غير المسلمين، فخضعوا أمامها طائعين مُكبِرين هذا الإمامَ الذي ملأ الدّنيا وشغلت آفاقُه النّاس، وما يزال شمساً متألّقة هادية علىٰ مرّ الأزمنة والدّهور.٢
ولا غَرو، فإنّ معرفة عليّ صلوات الله عليه معرفةٍ شاملة كاملة ممّا يمتنع على النّاس، وهم إنّما يلحظون ما يتكشّف لهم من أغوار شخصيّته، من خلال العمل والسلوك، أو من خلال تصريحات القرآن وتصريحات النّبيّ صلىاللهعليهوآله في
_______________________
١ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ٤؛ مشارق أنوار اليقين ٢٣٠؛ حلية الأبرار ٢ / ١٦٣؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١٧ و٣٠.
٢ ـ يقول إبراهيم بن سيّار النّظّام المتكلّم المعروف : «عليّ بن أبي طالب محنه علَى المتكلّم؛ إن وفىٰ حقَّه غلا، وإن بَخَسه حَقَّه أساء» مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٤٨.