وقوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا)(١) عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (٢) ، أي : لا يعلم أسرارهم ولا يطلع على دخائل ما أبطنوا من الكفر إلا نحن.
(ب) تقوية (٣) الحكم وتقريره لدى السامع بدون تخصيص ، كقولك : هو يعطى الجزيل ، وهو يحب الثناء. ألا ترى أنك لا تريد أن غيره لا يعطى الجزيل ولا يحب الثناء.
يرشد الى ذلك أن هذا الضرب يجيء فيما سبق فيه إنكار منكر ، نحو أن يقول الرجل : ليس لي علم بالذي تقول ، فتقول له : أنت تعلم أن الأمر على ما أقول ولكنك تميل الى خصمي ، وعليه قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤) ، والفعل المنفي كالمثبت في ذلك ، فتارة يفيد التخصيص ، كما تقول : أنت ما سعيت في حاجتي ، وتارة يفيد التقوية نحو : أنت لا تكذب ، وعليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)(٥).
وإن كان نكرة أخبر عنه بفعل أفاد تخصيص الجنس أو الواحد به ، نحو : رجل جاءني أي لا امرأة ولا رجلان ، ذاك أن أصل النكرة أن تكون لواحد من الجنس فيقع القصد بها تارة الى الجنس فحسب ، كما اذا كان المخاطب بهذا الكلام قد عرف أن قد أتاك آت من هو جنس الرجال ولم يدر أرجل هو أم رجلان أو اعتقد أنه رجلان.
(تنبيه) مما رأت العرب تقديمه كاللازم لفظ (مثل) : اذا استعمل كناية من غير تعريض ، نحو : مثلك لا يبخل ، ومثلك رعى الحق والحرمة ، ونحو قول ابن القبعثري (٦) مجيبا الحجاج ، على سبيل المغالطة ، حينما توعده ، بقوله :
__________________
(١) مرنوا واستمروا.
(٢) سورة التوبة الآية ١٠١.
(٣) علة التقوية ما ذكره عبد القاهر من أن الاسم لا يؤتى به معرى عن العوامل إلا لحديث قد نوى إسناده اليه ، فاذا جئت بالحديث دخل على القلب دخل المأنوس.
(٤) سورة آل عمران الآية ٧٥.
(٥) سورة المؤمنون الآية ٥٩.
(٦) هو الغضبان بن القبعثري الشيباني ، وكان ممن خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأراد بالأدهم الأول القيد ، وبالثاني الفرس الأدهم.