لأحملنك على الأدهم ، مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب. ونحو قول المتنبي يعزي عضد الدولة بعمته :
مثلك يثنى المزن عن صوبه |
|
ويسترد الدمع عن غربه (١) |
فلا يقصد في كل هذا وأشباهه بمثل الى إنسان سوى الذي أضيف اليه ، بل يريدون أن كل من كان هذا شأنه وتلك حاله كان من موجب العرف والعادة أن يفعل أو لا يفعل ، ولأجل إفادتها ذلك المعنى قال المتنبي في تلك القصيدة :
ولم أقل مثلك أعني به |
|
سواك يا فردا بلا مشبه |
وكمثل (غير) اذا سلك بها هذا المسلك تقول : غيري يفعل كذا ، على معنى أنك لا تفعله ، لا أن تعرض بإنسان آخر ، وعليه قول أبي تمام :
وغيري يأكل المعروف سحتا |
|
وتشحب عنده بيض الأيادي (٢) |
فهو لم يرد أن يعرّض بشاعر سواه فيزعم أن الذي اتهم به من هجو الممدوح كان من ذلك الشاعر ، لا منه ، بل أراد أن ينفي عن نفسه كفران النعمة وجحدها ، لا غير.
واستعمال (مثل وغير) على تلك الشاكلة مما ركز في الطباع وجرى على جميع الألسن ، فمن نحا بهما غير هذا النحو ، فقد قلب الكلام عن جهته ، وغيّره عن صورته ، وما ذاك إلا لأنه قد غفل عن سر تقدمهما ، وهو إفادة تقوية الحكم وتأكيده.
٨ ـ إفادة التعميم والنص على شمول النفي (عموم السلب) وذلك حين تتقدم أداة العموم ككل وجميع ونحوهما على أداة النفي ، وهي غير معمولة للفعل المنفي فيتوجه النفي إذ ذاك الى أصل الفعل ، ويعم كل فرد من أفراد ما أضيف إليه كل ، نحو : كل ظالم لا يفلح ، فالمعنى : لا يفلح أحد من الظلمة. وعليه قول أبي النجم :
قد أصبحت أم الخيار تدعي |
|
عليّ ذنبا كله أصنع |
__________________
(١) الغروب مجاري الدموع ، والصوب القصد ، ويثني يدفع ، يريد أنك قدير على دفع الحزن ورد الدموع الى مجاريها إذ لا مشبه لك.
(٢) السحت المال الحرام ، وتشحب تتغير.