ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري ، وهو أن الكلام إذا نقل من أسلوب الى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء اليه من اجرائه على أسلوب واحد ، ومن ثم قيل : لكل جديد لذة ، وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة ، فإن العبد اذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكره لما هو فيه بقوله : الحمد لله ، الدال على اختصاصه بالحمد ، وأنه حقيق به وجد من نفسه محركا للإقبال عليه ، فإذا انتقل إلى قوله : رب العالمين ، الدال على أنه : مالك للعالمين ، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته ، قوى ذلك المحرك ، وهكذا كلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك ، الى أن يؤول الأمر الى خاتمتها المفيدة أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء ، حينئذ يجد من نفسه إقبالا عليه وتخصيصا له بالخطاب بغاية الخضوع والاستعانة به في المهمات.
الأسلوب الحكيم : وسماه الإمام عبد القاهر : المغالطة ، وهو نوعان :
١ ـ تلقي المخاطب (١) بغير ما يترقب بحمل كلامه على غير ما يريد تنبيها على أنه الأولى بالقصد كقول ابن حجاج البغدادي :
فقلت ثقلت إذ أتيت مرارا |
|
قال ثقلت كاهلي بالأيادي |
قلت طولت قال لا بل تطول |
|
ت وأبرمت قال حبل ودادي |
فلفظ ثقلت وقع في كلام المتكلم بمعنى حملتك المئونة فحمله المخاطب على تثقيل عاتقه بالمنن والأيادي.
٢ ـ تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأهم كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٢) ، فقد سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أن المهم هو السؤال عنها لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها.
__________________
(١) التلقي المواجهة ، والمخاطب (بفتح الطاء) أي تلقي المتكلم بالكلام الثاني المخاطب به ، وهو المتكلم بالكلام الاول.
(٢) سورة البقرة الآية ٢١٥.