في الفاء ، وهو مع التراخي في ثم ، وهكذا ، ومن أجل ذلك لا يقع اشتباه في استعمال ما عدا الواو ، ولذا لا يبحث هنا إلا عنها.
والجمل المعطوف بعضها على بعض ضربان :
١ ـ أن يكون للجملة المعطوف عليها موضع من الاعراب ، وحكم هذه حكم المفرد لأنها لا تكون كذلك حتى تكون واقعة موقعه ، وحينئذ يكون وجه الحاجة فيها الى الواو ظاهرا ، والإشراك بها في الحكم موجودا ، فإذا قلت : نظرت إلى رجل خلقه حسن ، وخلقه قبيح ، كنت قد أشركت الثانية في حكم الأولى ، وهو كونها في موضع جر صفة للنكرة ، ونظائر ذلك كثيرة ، وخطبها يسير.
٢ ـ ألا يكون لها موضع من الاعراب ، وتحت هذه نوعان :
(أ) أن تتفق (١) الجملتان خبرا وإنشاء ، وتكون بينهما مناسبة وجامع يصحح العطف مع عدم المانع ، نحو : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٢) ، ونحو : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) ، ويسمى ذلك توسطا بين الكمالين.
(ب) أن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء ، لكن لو ترك العطف لأوهم خلاف المقصود ، كما تقول : لا وشفاه الله ، جوابا لمن سألك : هل أبلّ محمد من مرضه؟
فترك الواو حينئذ يوهم الدعاء عليه مع أن المقصود الدعاء له ، وقد روي أن هارون الرشيد سأل وزيره عن شيء فقال : لا وأيد الله الخليفة. فلما بلغ ذلك الصاحب ابن عباد قال : هذه الواو أحسن من الواوات في خدود الملاح.
وقد ذكر صاحب المغرب أن أبا بكر الصديق رضياللهعنه مر برجل في يده ثوب ، فقال له الصديق : أتبيع هذا؟ فقال : لا يرحمك الله ، فقال له : لا تقل هكذا وقل لا ويرحمك الله.
ويسمى ذلك كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المراد.
__________________
(١) المدار في ذلك على اتفاقهما خبرا وإنشاء في المعنى ، سواء كانتا خبريتين لفظا ومعنى ، أو خبريتين معنى لا لفظا أو الأولى خبرية معنى لا لفظا أو بالعكس أو إنشائيتين لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا أو الأولى خبرية لفظا والثانية إنشائية أو بالعكس.
(٢) سورة الانفطار الآية ١٤.