(فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(١) ، فقد دل العقل على الحذف لأنه لا معنى للوم على ذات الشخص ، وأما تعيين المحذوف فإنه يحتمل أن يقدر في حبه ، لقوله : شغفها حبا ، أو في مراودته لقوله : تراود فتاها عن نفسه ، أو في شأنه حتى يشملهما معا ، ولكن العادة تقتضي بأن الحب المفرط لا يلام عليه صاحبه ، لأنه ليس من كسبه واختياره ، وإنما يلام على المراودة التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.
(د) العقل الدال على المحذوف ، والشروع في الفعل الدال على تعيينه ، كما في : باسم الله ، فإنك تقدر المتعلق ما جعلت التسمية مبدأ له من نحو : آكل أو أشرب أو أسافر.
(ه) العقل الدال على المحذوف واقتران الكلام بالفعل الدال على تعيينه ، كما تقول للمعرس : بالرفاه والبنين ، أي أعرست.
إيجاز القصر
هو ما تزيد فيه المعاني على الألفاظ الدالة عليها بلا حذف ، وللقرآن الكريم فيه المنزلة التي لا تسامى والغاية التي لا تدرك ، نحو : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)(٢) ، فتلك آية جمعت مكارم الأخلاق ، وانطوى تحتها كل دقيق وجليل ، إذ في العفو الصفح عمن أساء ، والرفق في سائر الأمور ، بالمسامحة والاغضاء ، وفي الأمر بالمعروف صلة الأرحام ومنع اللسان عن الكذب والغيبة ، وغض الطرف عن المحارم ، وفي الاعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وكظم الغيظ.
ويقول عز اسمه : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ)(٣) ، فقد استوعبت تلك الكلمات القليلة أنواع المتاجر وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد ، وقوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) فهاتان كلمتان أحاطتا بجميع الأشياء على غاية الاستقصاء ، ولذا روي أن ابن عمر قرأها ، فقال : من بقي له شيء فليطلبه.
__________________
(١) سورة يوسف الاية ٣٢.
(٢) سورة الأعراف الاية ١٩٩.
(٣) سورة البقرة الاية ١٦٤.