وهو في كلتا الحالين يكسب المعاني منقبة ، ويرفع قدرها ، ويجعل لها في القلوب هزة وارتياحا ، فإنك اذا تأملت حالك وحال المعنى قبل التمثيل وبعده ترى بونا شاسعا ومسافة الخلاف متسعة ، ألا تراك تحس الفرق بين أن تقول : أرى قوما لهم بهاء ومنظر وليس لهم مخبر ، وأن تنشد قول الشاعر :
في شجر السرو منهم مثل |
|
له رواء وما له ثمر (١) |
فإن جاء في باب المدح كسا المعنى حلة من الفخامة وقضى للمادح بغر المنائح كقوله :
فتى عيش في معروفه بعد موته |
|
كما كان بعد السيل مجراه مرتعا |
وإن جاء في باب الذم كان وقعه أشد وحده ، كقوله تعالى : فيأوتي الآيات فانسلخ منها (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)(٢).
وإن جاء في مقام الاحتجاج كان ساطع البرهان باهر البيان ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٣).
وإن جاء في مقام الوعظ كان أبلغ في التنبيه والزجر ، كقوله تعالى في وصف نعيم الدنيا : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً)(٤).
وإن جاء في موضع الاعتذار خلب القلب وسحر اللب وسل السخيمة وأزال الموجدة والضغينة ، كقول المتنبي :
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربا |
|
فالطير يرقص مذبوحا من الألم |
وهكذا حاله في كل فنون القول وضروب الكلام ، ولا سيما باب الوصف ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها)(٥).
__________________
(١) هو فصيلة الصفصاف.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٦.
(٣) سورة العنكبوت الآية ٤١.
(٤) سورة الحديد الآية ٢٠.
(٥) سورة إبراهيم الآية ٢٤.