أثر التشبيه في النفس
قال المبرد في «الكامل» : التشبيه جار كثيرا في كلام العرب حتى لو قال قائل هو أكثر كلامهم لم يبعد ، قال الله عزوجل وله المثل الأعلى في الزجاجة : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ)(١).
وقال أبو هلال في «الصناعتين» : التشبيه يزيد المعنى وضوحا ، ويكسبه تأكيدا ، ولهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه ، ولم يستغن أحد عنه.
وسر هذا أن للخيال نصيبا كبيرا فيه ، فهو يفتنّ حتى لا يقف عند غاية ، وأنه يعمل عمل السحر في إيضاح المعاني وجلائها ، فهو ينتقل بالنفس من الشيء الذي تجهله ، الى شيء قديم الصحبة ، طويل المعرفة ، وغير خاف ما لهذا من كثير الخطر ، وعظيم الأثر.
انظر قوله عليهالسلام في ذم من يعلم الخير ولا يعمل به : «مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل السراج يضيء للناس وهو يحترق».
وإنك لترى فيه تشنيع حال من اتصف به ، وكأنك تشاهد النار وهي تعلق به وتأخذ منه بالنواصي والأقدام.
وتأمل قول أبي العلاء المعري :
إن الشبيبة نار إن أردت بها |
|
أمرا فبادره إن الدهر مطفيها |
تجده جعل عزيمة الشباب الوثابة المتحفزة للعمل كالنار ، يمتد لهيبها ، ويشتد أوارها ، لكنها لا تلبث حتى تخمد جذوتها ، وينطفىء ذلك اللهب المتقد ، ومن ثم طلب الى الشباب البدار الى نيل المآرب ، وعدم التواني في درك المقاصد.
وإلى قول مهيار الديلمي :
وبعض مودات الرجال عقارب |
|
لها تحت ظلماء العقوق دبيب |
تره صور بعض المودات بصورة عقارب ، تسير في الظلماء على غير هدى ، وتنفث سمومها ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
__________________
(١) سورة النور الآية ٣٥.