ثم قال : فإن أبيت إلا أن تطلق اسم الاستعارة على هذا القسم ، فإن حسن دخول أدوات التشبيه لا يحسن إطلاقه ، وذلك كأن يكون المشبه به معرفة كقولك : زيد الأسد ، فإنه يحسن أن يقال : زيد كالأسد ، وإن حسن دخول بعضها دون بعض هان الخطب في إطلاقه ، وذلك كأن يكون نكرة غير موصوفة كقولك : زيد أسد ، فإنه لا يحسن أن يقال : زيد كأسد ، ويحسن أن يقال : كأن زيد أسدا ، ووجدته أسدا ، وإن لم يحسن دخول شيء منها إلا بتغيير صورة الكلام كان إطلاقه أقرب لغموض تقدير أداة التشبيه فيه ، وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به كقولك : هو بدر يسكن الأرض ، وهو شمس لا تغيب ، وكقوله :
شمس تألق والفراق غروبها |
|
عنا وبدر والصدود كسوفه |
فإنه لا يحسن دخول الكاف ونحوه في شيء من هذه الأمثلة إلا بتغيير صورته كقولك : هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض ، وكالشمس إلا أنه لا تغيب ، وكالشمس المتألقة إلا أن الفراق غروبها ، وكالبدر إلا أن الصدود كسوفه. انتهى بتصرف واختصار كثير.
والتشبيه الذي يجب تناسيه هو الذي من أجله وقعت الاستعارة لا كل تشبيه فليس بمحظور أن تقول : رأيت أسدا في الحمام مثل الفيل في الضخامة ، ولا : جاورت ليثا كأنه بحر متلاطم الأمواج.
ومن اشتراط ادعاء دخول المشبه في المشبه به يتضح لك أنه لا بد أن يكون المشبه به كليا كاسم الجنس وعلم الجنس ، فلا تتأتى الاستعارة في الأعلام الشخصية لعدم تصور الشركة فيها حتى يمكن ادعاء دخول شيء في حقائقها إلا اذا تضمنت أوصافا بها يصح أن تعتبر كأنها أجناس كتضمن حاتم الجود ، ومادر البخل ، وقسّ الفصاحة ، وباقل العي والفكاهة ، فتقول : رأيت اليوم حاتما أو قسا ، وتدعي كلية حاتم ، أو قسّ ، ودخول المشبه في جنس الجواد والفصيح ، حتى كأن حاتما موضوع لمن اتصف بالجود سواء أكان هو ذلك الطائي المشهور أم غيره ، وإن كان إطلاقه على الطائي حقيقة وعلى غيره ادعاء ، وكذا القول في قسّ ، وكل ما كان من هذا الضرب فسبيله هذه السبيل.