أو مبينا بالمشبه صريحا ، أو ضمنا كقوله (١) تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(٢) ، فقد بيّن الخيط الأبيض بالفجر صريحا ، وفي ضمنه تبيين الخيط الأسود بالليل ، فكل هذا تشبيه محذوف الأداة.
قال الإمام عبد القاهر في بيان هذا : اذا دلت القرينة على تشبيه شيء ، فهذا على ضربين :
١ ـ أحدهما أن يسقط ذكر المشبه من البين حتى لا يعلم من ظاهر الحال أنك أردته ، كقولك : عنت لنا ظبية ، وأنت تريد امرأة ، ووردنا بحرا ، وأنت تريد الممدوح ، وهذا تقول : إنه استعارة ولا تتحاشى البتة.
٢ ـ أن يكون المشبه مذكورا أو مقدرا ، وحينئذ فالمشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر ، فالوجه أن يسمى تشبيها ولا يسمى استعارة ، لأن الاسم اذا وقع هذه المواقع كان الكلام موضوعا لإثبات معناه لما يعتمد عليه ، أو نفيه عنه فإذا قلت : زيد أسد ، فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد ، وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له ، فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه ، فيكون خليقا بأن يسمى تشبيها إذا كان إنما جاء ليفيده ، بخلاف الحالة الأولى ، فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء ، كما اذا قلت :
جاءني أسد ، ورأيت أسدا ، فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد والرؤية واقعا منك عليه لا لإثبات معنى الأسد لشيء ، فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير لا يعلم إلا بعد الرجوع الى شيء من النظر والتأمل.
(إذا افترقت الصورتان هذا الافتراق ناسب أن يفرق بينهما في الاصطلاح والعبارة بأن نسمي احداهما تشبيها ، والأخرى استعارة).
__________________
(١) وقول بعضهم :
فما زلت في ليلين شعر وظلمة |
|
وشمسين من خمر ووجه حبيب |
وقول شوقي :
ودخلت في ليلين فرعك والدجي |
|
ولثمت كالصبح المنور فاك |
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٧.