وأفدت باستعارة البحر له سعته في الجود وفيض الكف ، وباستعارة السيف له إعطائه ما لها من البهاء الحسن الذي يبهر العيون ويملأ النواظر ، وباستعارة السيف له إعطائه ما له من الحدة والمضاء.
وهي تشبيه حذف أحد طرفيه وأداته ووجه الشبه ، لكنها أبلغ منه لأننا مهما بالغنا في التشبيه فلا بد من ذكر الطرفين وهذا اعتراف بتباينهما وأن العلاقة بينهما ليست إلا التشابه والتداني فلا تصل حد الاتحاد ، إذ جعلك لكل منهما اسما يمتاز به دليل على عدم امتزاجهما واتحادهما ، بخلاف الاستعارة فإن فيها دعوى الاتحاد والامتزاج ، وأن المشبه والمشبه به صار شيئا واحدا يصدق عليهما لفظ واحد ، فإن قلت : رأيت بحرا يعطي البائس والمحتاج ، كنت قد جعلت الجواد والبحر شيئا واحدا حتى صح أن تسمي أحدهما باسم الآخر ، ولو لا ما أقمت من الدليل (القرينة) على ما تريد ، لما خطر ببال المخاطب غير البحر الذي تعورف بهذا الاسم.
ومن قبل هذا اشترط فيها تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ، فلا يذكر وجه الشبه ، ولا أداته ، لا لفظا ولا تقديرا ، كما لا يجمع فيها بين الطرفين على وجه ينبىء عن التشبيه بأن يكون المشبه به خبرا (١) عن المشبه أو في حكم الخبر (٢) كما في بابي كان ، وإن المفعول الثاني (٣) في باب ظن ، أو حالا (٤) ، أو صفة (٥) ، أو مضافا كلجين (٦) الماء ، أو مصدرا مبينا لنوعه (٧)
__________________
(١) كقوله عليهالسلام للانصار : «أنتم الشعار والناس الدثار».
(٢) نحو : ان محمدا قذى في عين إبراهيم ، وقول البحتري :
بنت بالفضل والعلو فأصبحت |
|
سماء وأصبح الناس أرضا |
(٣) كقوله عليهالسلام : «لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق».
(٤) كقوله :
بدت قمرا ومالت حوط بان |
|
وفاحت عنبرا ورنت غزالا |
(٥) كقولك : هذه امرأة قمر.
(٦) في قوله :
والريح تعبث بالغصون وقد جرى |
|
ذهب الأصيل على لجين الماء |
(٧) نحو : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ).